عقيدة إسرائيل القتالية عندما يتأخر عليها الانتصار

TT

الكثيرون منا نحن العرب لا يقرأون التاريخ ولا يتفكرون في العبر ولا يتعلمون من الماضي، لأن همنا الشاغل هو البحث عن قوتنا أو تداول أسهمنا أو البحث عن كراسينا والتفنن في إلغاء الآخرين. ولو لم نكن كذلك لما فاجأتنا وفجعتنا مذبحة أطفال ونساء قانا.

ولو عمّقنا التحليل لوجدنا أنها عملية طبيعية للغاية تقوم بها إسرائيل منذ نشأتها بتكرار، الأمر الذي يجعل المحللين النفسانيين والاجتماعيين والسياسيين والعسكريين يكتشفون أن هذه عقيدة قتالية إسرائيلية بامتياز، درجت إسرائيل على استخدامها فقط عندما لا تستطيع أن تحقق انتصاراً في ميادين القتال المتعارف عليها، يدفعها إلى ذلك وضع بائس ويائس. وأن حضارتها الصهيونية هي التي تعطي الشرعية لهذه العقيدة على طريقة لا حرام في كسب النصر حتى ولو كان قتل طفل أو إرهاب امرأة.

وهذه الحقيقة تسللت إلي الوعي الصهيوني نتيجة (الهلوكوست) الذي أحدثه فيهم الشعب الآري الألماني الذي كانت تقوده النازية البغيضة، فهذا يعطيهم نشوة التعالي أمام بعضهم البعض.

وإذا عدنا إلي إسقاط قنبلتي نكازاكي وهيروشيما الذريتين في اليابان اللتين أسقطهما الرئيس ترومان رئيس الولايات المتحدة آنذاك قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية لوجدنا أن مستشاري ذلك الرئيس المتطرفين وصهاينة الفكر هم الذين شجعوه على إسقاطهما على اليابان، وتدل على ذلك مذكراته حينما كان في البيت الأبيض وكراهيته لهؤلاء الصهاينة الذين تسللوا إلي مكتبه من رجال أعمال وسياسيين وعسكريين، وهؤلاء هم اللوبي الإسرائيلي الذين دفعوه إلى مساندة إنشاء دولة إسرائيل وتمرير قرار إنشائها على الهيئة العامة للأمم المتحدة. فيجب الرجوع إلى ذلك كأول تطبيق صهيوني في هذه العقيدة.

أما ثاني تطبيق صهيوني في هذه العقيدة القتالية فكان في فلسطين حينما ضغطت عليهم المقاومة الفلسطينية فعمدوا إلى ذبح النساء والأطفال الأبرياء في معظم القرى الفلسطينية وهم عزل. وعلى ذلك نقيس كمثال مذبحة ومجزرة دير يسين.

أما في عام 1967 فلم تكن تحتاج للأطفال المدنيين فقامت بقتل الأسرى المصريين العزل والمقيّدي الأيدي من جنود وضباط ودفنتهم في قبور جماعية. ولكي تحدث الخوف والهلع في باقي الشعب المصري وقواته المسلحة سرّبت أخبار هذه الجريمة إليهم وإلا لكانت سرية حتى الآن.

وثالثاً كان ذلك أثناء حرب الاستنزاف على ضفة القنال قبيل حرب أكتوبر التي كانت بتخطيط من أركانات الرئيس جمال عبد الناصر يرحمه الله. ولطول المدة التي استغرقتها تلك الاستنزافات وفشل إسرائيل في ثني المصريين عن الاستمرار فيها، فلم يكن بداً من مجزرة مدارس بحر البقر في العمق المصري. فهل يعقل أن تكون تلك غلطة تصويب أو تحقق من مصدر نيران، كما تدعي إسرائيل دائماً. ومع ذلك فشلت إسرائيل في إحداث الرعب المنشود فكانت حرب رمضان 1973.

ورابعاً كان ذلك في أول دخول لهم لعاصمة عربية وهي بيروت لإخراج الفلسطينيين كانت مجزرة صبرا وشاتيلا حتى لا يعود الفلسطينيون لذلك المكان الذي تلقت فيه إسرائيل الضربات الكبيرة ولكنهم لم ينجحوا أيضاً إذ خرجت ثورة حزب الله التي وحّدت لبنان مسيحييها ومسلميها سنييها وشيعتها.

وخامس تطبيق لهذه العقيدة بامتياز عندما فُُتحت شهيتهم على أطفال الحجارة في فلسطين وقاموا بتكسير أذرعتهم الصغيرة والطرية لكي توقف التفاف الرأي العام العالمي حول قضيتهم.

وسادساً كان ذلك قبل عشر سنوات أي في عام 1996م فقد قُتل مئة نفس مسلمة، ثمانون منهم من الأطفال والنساء والشيوخ. وعندها كان شمعون بيريز رئيساً لحزب العمل الحاكم فبذلك يجب عدم التفريق بين الليكود وكديما في تطبيق سياسة ذبح كل من يعكر صفو الكيان الصهيوني وعقيدتهم «الحضارية».

وسابعاً فإن عقيدتهم القتالية هذه شجعتهم أيضاً على قتل رجال الأمم المتحدة بدءًا من الأمين العام للأمم المتحدة همرشولد ولجنة تقصي الحقائق وتفجير فندق الملك داوود وغير ذلك.

ومن هنا فإني أدعو الإسرائيليين أن يراقبوا تصرفات حكوماتهم عندما تُُهزم أو عندما تكون الهزيمة محتملة لديهم وعندها سيتأكدون من صدق ما نقول. ويجب علينا أن نتساءل لو أن طفلا أو مراهقا أو شابا عربيا مسيحيا أو مسلما اندس بين تلاميذ مدارسهم وبين أطفالهم وفجّر نفسه لا سمح الله وقتل هؤلاء الأبرياء اليهود. فماذا ستقول إسرائيل للعالم؟!!

فهل ستقول إن هذا إرهاب وتقوم بعمل الهالة الدعائية المعروفة عنها في تضخيم مثل هذه الأحداث أم ستتذكر أنها هي البادية بالإرهاب كدولة ؟!

والأدهى من ذلك أن بعض شعبها يصفق لها عندما تقوم بذلك لغياب المنطق والعقل والأخلاق والضمير والتحضر. ومن الأفضل لهم الإنصات إلى صوت العقل والقيام بالحوار الجدي مع العرب وليس الدعائي الذي يريدون إيصاله إلي الشعب الأمريكي الذي سيحتقرهم حينما يكتشف هذه العقيدة القتالية المقيتة. وعندها سيتساءل عن الملايين الثلاثة أو الخمسة التي يتصدق بها عليهم يومياً لإبقائهم على قيد الحياة ليكونوا قاعدة متقدمة لتنفيذ سياستهم الإقليمية في المنطقة. وقد يأتي اليوم الذي يكتشف فيه الشعب الأمريكي أن حاملة طائرات واحدة أهميتها وفائدتها لهم أكبر من فائدة هذه الدولة العالية التكاليف.

وقبل أن أختتم فمن الإنصاف أن أشير إلى أن هنالك في إسرائيل أصواتا متعقلة ومتحضرة تريد الحياة معنا مسلمين ومسيحيين بشرف. وكذلك منهم متحضرون يشاركون في المظاهرات ضد السياسة الصهيونية المقيتة التي قد تدمرهم بالكامل في إسرائيل التي تقوم الآن بتدمير بنية لبنان ومفاصل حضارته وهو البلد القوي والجميل في نفس الوقت.

أما رسالتي إلى أهلي العرب الذين يبحثون عن لقمة العيش أو الثمين من الأسهم أو الوظيفة التي ترفع القدر والجاه فأقول لهم قد لا تحصلون على العيش الهنيء ولا تجدون الشركات التي تستطيعون الإسهام فيها وقد تفقدوا الكراسي الوثيرة للسلطة إن لم تكن لديكم سواعد قوية ويقظة فعلية ووحدة مصير.

حفظ الله بلادنا من كيد الكائدين ومتّعنا بما وهبه لنا من مال وعقل وعلم في ظل أمن وارف. والله المستعان.

* لواء سعودي متقاعد خبير في الاستراتيجيا العسكرية