لبنان والآخرون: النجدة أولاً والتنظير ثانياً.. والمساءلة لاحقاً

TT

في هذه الكارثة التي يعيشها لبنان نتيجة الاجتهادات النضالية من جهة وانعدام بُعد النظر الدولي من جهة اخرى وبينهما الجشع الصهيوني المتلازم مع استعذاب القتل والتدمير، لا يحتاج الوطن من الأشقاء والأصدقاء القريبين منه والبعيدين لغير النجدة المالية والمساعدات على انواعها والادوية تأتي على وجه السرعة ومن دون الحاجة الى الالحاح. اما التهويل والتنظير والقفز فوق حقائق الامور فلا جدوى منها على الاطلاق.. بل انها تزيد من حدة الكارثة التي لا يعلم بوطأتها إلاَّ الجموع النازحة المتكدسة في اماكن غير صحية الحائرة في تقييمها لما حدث: هل كان ضرورياً وهل ان الثمن الفادح الذي يدفعه الوطن هو بقيمة الإنجاز الذي تحقق؟ ان كل ذلك يمكن الخوض في غماره بعد ان تسكت المدافع ويتوقف اطلاق الصواريخ وتصبح العقول جاهزة للتأمل والمناقشة الرحبة.

وعندما نقول ان الذي يحتاجه لبنان لمواجهة هذه الكارثة هو النجدة والمساعدات على انواعها والادوية بمختلف الحاجة اليها والمستشفيات الميدانية القادرة على استيعاب الطفل المريض والاب الجريح والعجوز الذي لا قدرة له على السير من شدة الألم والمرأة التي تكاد تتساقط من الإعياء، فلأن الواقع هو اخطر بكثير مما يظن الذين يعظون وينصحون ويحذرون. كما اننا عندما نقول ان الذي يحتاجه لبنان لمواجهة هذه الكارثة هي شحنات من الحليب والرز والسكر والزيوت والمواد الغذائية على انواعها فلأن الجموع النازحة ستقترب من حافة المجاعة في حال لم تتدفق هذه المساعدات وخصوصاً ان الجسور والطرقات المدمَّرة بفعل العدوان الاسرائيلي تحول دون وصول خيرات الارض والمواسم الزراعية الى اللبنانيين من بعضهم البعض.

وأما بالنسبة الى «الصديق» الاميركي فإن الذي تحتاجه الجموع النازحة هو التأمل ولو لمرة واحدة في واقع الحال وتحذير اسرائيل من مغبة القصف العشوائي شغفاً بالقتل والتدمير والذي لم يرحم حتى عشرات افترضوا ان الاختباء في ملجأ في «قانا» يفتقر اصلاً الى كل مقومات الملجأ يمكن ان يحميهم من القتل المتعمد فأحرقتهم صواريخ ايهود المرت على نحو احراق صواريخ جورج بوش الأب بضع مئات من الاطفال والنساء والشُيَّاب عراقيين احتموا في «ملجأ العامرية» في بغداد عام 1991 من دون ان يخطر في بالهم انه سيكون «فرناً بوشياً» يشوي اجساد الابرياء. كما ان الذي تحتاجه الجموع النازحة ومعها جموع الحكومة اللبنانية التي غدت اكثر تمثيلاً للوطن المعتدى عليه بعد الإجماع الوزاري على خطة رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بنقاطها السبع والتناغم المستجد بين السنيورة ورئيس البرلمان نبيه بري الذي انيطت به مهمة تمثيل الموقف الشيعي عموماً في معركة التفاوض، ليس كثرة الإطراءات لشخص السنيورة ورجاحة تفكيره وبالذات تلك التي افاض مندوب اسرائيل لدى الامم المتحدة في اطرائها لأن المبالغة في الإطراء من شأنها ايذاء الرجل وتشويه سمعته، وإنما ترجمة هذه الاطراءات الى خطوات عملية فلا يتواصل التدفق الصاروخي والمساعدات الى اسرائيل ولا يستمر التبني للباطل الذي هو سمة افعالها.

ويستوقفنا ونحن نقول ذلك كيف ان الجسر الصاروخي الاميركي لنجدة المعتدي الاسرائيلي ما زال مستمراً وعن طريق الارض البريطانية مع الأسف رغم اعتراض شرائح سياسية بريطانية عريضة من بينها اعتراض وزيرة الخارجية قبل ايام على توقُّف طائرتين اميركيتين ضخمتين في مطار بريستويك ـ غلاسكو (في اسكوتلندا) تحملان الصواريخ الذكية التي يمكن توجيهها بـ «اللايزر» او عن طريق الاقمار الصناعية. وبدل ان تأخذ الادارة البوشية الاعتراض في الاعتبار فإنها اكتفت بأن الرئيس بوش اعتذر من حليفه طوني بلير رئيس وزراء بريطانيا ليس على التوقُّف لأن الحكومة البريطانية على ما يبدو لا تملك حق المنع، وإنما لأن السلطات الاميركية لم تُبلِّغ الحكومة بأن حمولة الطائرتين صواريخ للتدمير الشامل وقالت انهما في رحلة مدنية عادية. ولقد اكتفى بلير بهذا الاعتذار او بالتعيير الشائع «وصله حقه» على ان يتم الإبلاغ سلفاً.

وتبقى الاشارة استكمالاً لما بدأنا به هذا المقال حول المساعدات المأمولة من الأشقاء والأصدقاء إلى اننا كنا نتمنى لو ان الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله اورد في اطلالته التلفزيونية المتميزة سياسياً ونضالياً يوم السبت 29 يوليو (تموز) الماضي عبارة شكر للأشقاء والأصدقاء الذين سارعوا الى ارسال المساعدات والمستشفيات والادوية براً وجواً وبحراً لا ان يقتصر الشكر الحار على الاخ السوري الذي يستحقه في اي حال. ونقول ذلك من منطلق ان كلمة حق يراد بها الشكر المشار اليه للمملكة العربية السعودية والأردن ودولة الامارات وتركيا ومصر وفرنسا وكل دولة تساعد عن طيب خاطر، وكذلك الى اللهفة من جانب مؤسسات صديقه الرئيس رفيق الحريري من شأنها بلسمة الجراح وتهدئة الخواطر وتشجيع مَنْ لم يساعد بعد على تأدية الواجب... وخصوصاً ان الشكر المتأخر هو مثل الحالة التي ينطبق عليها المثل الشعبي لمن يؤدي فريضة الحج بعدما تكون بدأت عودة الحجاج من اداء الفريضة.