شكرا لكونتيكت!

TT

شكرا لفرع الحزب الديمقراطي في كونتيكت، لهذا الشعور الراقي بالمرح. لقد حققتم انتصارا للسخرية بالقول لجو ليبرمان «أمضي بعيدا». ومثل هذا الحدث هو الامر الوحيد الذي يمكن ان يحفز ليبرمان للقيام بما هو مطلوب للنجاح السياسي في عالم الغضب السياسي العالمي. وفي رد على هزيمته المهينة في الانتخابات التهميدية للحزب الديمقراطي في كونتيكت، ثار غضب ليبرمان الرجل الرقيق، ومضى في طريقه. ففي خطابات، لم يعترف فيها بالهزيمة، يوم الاربعاء الماضي، اظهر ليبرمان العاطفة والتركيز الذي افتقرت اليه حملته الانتخابية، ووجد العدو الذي يحتاجه لكي يحقق نجاحا كمرشح مستقل في شهر نوفمبر القادم. والعدو الذي عثر عليه ليبرمان في هذه الحالة، هو قيادة الحزب الديمقراطي، التي اقرت وقدمت التمويل لند لامونت، قبل ان تبرد جثة ليبرمان السياسية. وكان على لامونت وشبكته من المتمردين تسليم عباءة التمرد الى ليبرمان، الذي اصبح الآن المستقل المارق في سباق كونتيكت لمجلس الشيوخ.

ولسوء حظ ليبرمان، فإن السخرية لم تكن ابد وسيلة سياسية فاعلة. ولكن الديمقراطيين في كونتيكت اعطوه مساحة تحرك كبيرة لتوجيه الهجمات الفردية والاستحواذية على المنافسين التي كثيرا ما تعتبر منهجا سياسيا في عصر الإنترنت.

ومن هو أفضل من يمثل الغضب بل والكراهية التي يشعر بها الناخبون للقوى الشريرة غير المرئية، التي تتلاعب بحياتهم اكثر من هذا السياسي الذي يستعد للانطلاق الذي أرهقه رجل أعمال ثري كان يدعمه في البداية مجموعة من الصفوة، والآن يدعم عن طريق سياسيين كانوا يؤيدون من قبل ليبرمان؟ اذا لم يوجد نيد لامونت، فقد كان على جو ليبرمان ان يخترعه. لقد اصبح مفهوم «غاضب اكثر منك» هو شعار السياسات الدولية صبيحة القرن الواحد والعشرين. إن الحروب والظروف الاقتصادية غير المؤكدة والتغييرات السريعة في القوالب الاجتماعية والثقافية تلقى في الغبار التعقل وأماني تحقيق الاجماع الذي يمثله شخصية تنتمي للاسلوب القديم مثل ليبرمان، وايضا سياسات «اقطع واحرق» التي اتقنها واستغلها كل من جورج بوش وكارل روف وينويان منحها للحزب الجمهوري للابد.ومع تراجع الجهود الأميركية في العراق بسبب القيادة المشوشة هنا واقتراب الذكرى الاولى لاعصار كاترينا، فهناك العديد من مبررات الغضب على بوش وعلى ادارته الحمقاء والقاسية. ولن اتجاهل هؤلاء الذين عبروا عن احباطهم تجاه بديل لبوش يوم الثلاثاء.

ولكن الخلط بين الغضب والحكمة السياسية هو ترف خطر في الديمقراطيات. ويمكن ان تتحول الى حريق يلتهم كل شيء بدلا من تشييده. وبالنسبة للمتعطشين للسلطة والانتهازيين، فإن الغضب هو وسيلة جذابة للتحكم في صندوق المعدات السياسية. وانتهى عام الغضب 1968 بانتخاب ديك نيكسون المراوغ وليس الشاعر الفيلسوف جين مكارثي. وفي عام 2002 حصل المرشح العنصري جان ماري لوبن على عدد من الأصوات، مكنه من خوض الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة في مواجهة الرئيس الحالي جاك شيراك، الذي فاز بالجولة النهائية بسهولة، لكنه اثبت عدم فعاليته في التعامل مع المشاعر القومية القبيحة التي افرزتها حملة انتخابات الرئاسة.

الأصوات الانتخابية التي تأتي نتيجة الاحتجاج أو الاستياء لها بالطبع تداعياتها، سواء كان ذلك في فرنسا أو في كونتيكت. مهمة السياسي المسؤول تتلخص في الاعتراف بالغضب والاستياء وتوجيهه لحل المشاكل وليس للسعي لتحقيق مكاسب حزبية آنية. لكن للأسف اظهر كل من بوش وروف، عجزا أو عدم رغبة في اتباع نهج لحل يرمي الى حل المشاكل في الأساس. كما ان معارضيهم يفعلون الشيء نفسه.

الغضب والاستياء تجاه ما جرى في العراق ساعد في انزواء ليبرمان. التصويت كان في واقع الأمر تعبيرا عن الاحباط، وخيبة الأمل تجاه سيل خطط الانتصار والأحاديث عنه من البيت الأبيض والبنتاغون، فضلا عن افتقار الكونغرس للمصداقية.

لعلنا في حاجة الى ساسة يتسمون بالجدية، ويعملون معا من أجل مساع وجهود، من جانب الحزبين الجمهوري والديمقراطي للتوصل الى مخرج مشرف من العراق، حيث لم يعد الوجود الاميركي غير فاعل فحسب، بل غير محتمل حتى من جانب العراقيين انفسهم. ويعني ذلك إعادة صياغة الوجود الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج.

ترى، من هم هؤلاء الساسة الذين يتسمون بالجدية؟ أعضاء بمجلس الشيوخ مثل الجمهوري جون وارنر والديمقراطي جاك ريد والجمهوري تشاك هاغيل. يمكن أيضا أن نضع في الاعتبار أشخاصا مثل جو ليبرمان للمساعدة في التوصل الى مركز جذب لمنهج افضل تجاه العراق. شكرا لكونتيكت لتذكيرها للجميع، بمن في ذلك جو ليبرمان.

* خدمة «كتاب واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»