السوري الحزين

TT

ربما يصعب علينا ان نفهم المأزق السوري الذي قيل إنه كان دافع خطاب الرئيس بشار الاسد الذي كال فيه التهم لكل الناس، وهو الذي لا يريد ان يتقدم او يتأخر، لا ان يسالم او يحارب ويفاخر بحروب غيره. لن نفهمه إلا اذا وضعنا سورية المعقدة على الأريكة الطويلة في جلسة مصارحة نفسية.

سيرى زائر العاصمة ان دمشق لم تتغير منذ ثلاثين سنة الذي يفسر وينبئ انها لن تتغير سياسيا. الحياة فيها متوقفة إلا من بضعة موديلات سيارات جديدة حيث ظل كل شيء على حاله منذ هزيمة عام 67؛ المباني والشوارع والحياة العامة والمشهد السياسي. سورية لم تتغير حتى عندما تغيَّر العالم. سورية وكوبا وكوريا الشمالية آخر ثلاثة بلدان في العالم تعيش في الفريزر.

المشهد السوري محزن لأهله، آخر العرب المحاصرين، حيث لا يستطيع المواطن العادي ان يعرف ما مستقبله ومستقبل اولاده لأن النظام السياسي عاجز عن فعل اي شيء وفي اي اتجاه.  محزن ونحن نرى في الحي المجاور في دبي عددا من المباني الشاهقة بناها عدد من التجار السوريين، مثل العديد من السوريين خارج بلدهم، الذين ملوا من الانتظار ويئسوا من التغيير الايجابي ولو كان محدودا، وهم في قلق من تبدل الأوضاع الى ما هو أسوأ.

وهذا يفسر حالة البؤس السوري بأجملها؛ إن كل العالم من حولهم تغير إلا بلدهم. لقد تغير العالم العربي من أقصاه الى أقصاه بدرجات متفاوتة.

من يرى القاهرة بحرياتها الجديدة، واقتصادها المتنامي رغم ظروفها وضخامة سكانها. من يرى المغرب أيضا بحرياته وإصلاحاته الادارية الكبيرة. ومن يرى الشيء نفسه في الجزائر واليمن والخليج والأردن لابد ان يلحظ ان سورية باتت كأنها تعيش في كهف لوحدها. مست التغييرات كل العالم تقريبا منذ نهاية الحرب الباردة. موجة التحديث والتغيير لم تترك بلدا عملاقا او صغيرا إلا ومرت عليه من الهند والصين وروسيا وأوكرانيا وبولندا وبلغاريا والتشيك وسلوفاكيا وتركيا وكازاخستان وقازاقستان وازبكستان وطاجيكستان وغيرها.

ومن هنا نرى ان بلدا يخاف من ابسط قوانين التغيير الاقتصادية لا بد انه أعجز من أن يتقدم خطوة واحدة الى الأمام؛ وهذا يفسر التخندق السوري كما تخندقت كوريا الشمالية التي تضربها المجاعة بقسوة منذ ثلاث سنوات.

ولو ان سورية في حالة حرب لكان الجمود مبررا لكنها لم تدخل في معركة واحدة باستثناء استهدافها اسرائيليا في لبنان، ومعاركها الكلامية مع اللبنانيين وحروب بالنيابة يخوضها الغير عنها. ولذا فالنظام السوري معذور على عجزه الداخلي وبطولاته الكلامية، وهو ما لم يصلح مشاكله الداخلية ويشعر بالثقة فانه لن يتقدم خطوة واحدة الى الأمام.

[email protected]