تحرير الإبداع من قبضة القراصنة

TT

لم يجد روائي مشهور مثل رؤوف مسعد حلا للهروب من قراصنة النشر ومافيا التوزيع سوى أن يؤسس مع مجموعة من الكتاب المهاجرين دارا صغيرة للنشر حملت اسم «المهاجرون» تتولى طباعة إبداعاتهم وتوزيعها. وهذه الدار التي أعلن عن تأسيسها قبل نحو عامين لم أعد أدري إن كانت قد حققت أهدافها أم أنها قد تعثرت كغيرها من مشروعات المبدعين الذين لا علاقة لهم بالحسابات والميزانيات والأرباح والخسائر ووجع الدماغ.

ومشكلة المبدعين العرب مع دور النشر مشكلة مزمنة لم تجد حلا، فبينما يتهم المبدعون بعض تلك الدور بالجشع والاستغلال والاتجار بنزيف أرواحهم، يدافع أصحاب تلك الدور عن أنفسهم بأنهم يصرفون أموالهم على نشر الكتاب في مجتمع لا يقرأ ولا يعبأ بما يكتب، والطرفان يمتلكان شيئا من الحقيقة، فدور النشر، أو فلنقل الكثير منها تجنبا للتعميمية، تؤثر أن تنتج كتبا في الطبخ و«البطيخ» والتجميل والأبراج والروايات الفضائحية على أن تصدر دواوين شعر أو مجموعات قصص يمكن أن تثقل كاهل رفوف المكتبات طويلا قبل أن يتم التخلص منها بواسطة دودة الورق أو أوكازيونات مكتبات الأرصفة.. على الجانب الآخر علينا أن نعترف أن ليس كل ما يقدمه المبدعون إبداعا يستحق النشر، فبعض الكتب المطلة من فاترينات المكتبات يفترض أن يكتب عليها عبارة تحذيرية مشابهة لتلك التي تنشر على علب السجاير، بأنها سبب رئيسي للسأم والملل والغثيان.

وكنت قبل فترة أمقت سلوك بعض المبدعين الخليجيين الذين يذهبون إلى القاهرة أو بيروت ليدفعوا لدور النشر هناك ـ وبالعملة الصعبة ـ مقابل طباعة أعمالهم وتوزيعها، وكنت أرى في ذلك استغلالا ورشوة ومخادعة، وحينما علمت أن «الموس مطبق على كل الرؤوس» سألت بعضهم أن يغفروا لي شرور أفكاري وسيئات ظنوني.

وفي ظل هذه العلاقة المتوترة بين المبدعين ودور النشر يحلم الكثير من المبدعين أن يعامل الكتاب في المجتمعات العربية معاملة الرغيف المدعوم من الدول، باعتبار أن كليهما على نفس الدرجة من الأهمية، وأن هذا الدعم قد يقود إلى نشوء مؤسسات ثقافية تهتم بنشر الأعمال الإبداعية وفق معايير موضوعية بعيدا عن حسابات الربح والخسارة، فلعل هذه المؤسسات تتمكن من تحرير بعض الإبداع من قبضة القراصنة.

[email protected]