بعد الحرب: لا مفر لحزب الله من تسليم سلاحه مهما كانت الأعذار

TT

نشكركم جميعا باسم وطن اسمه لبنان، و«قوموا لنهنئ». لكن من هو المنتصر ومتى ستجري الاحتفالات بهذه الانتصارات، إذ لا يكفي ان يشير حزب الله الى انصاره لإشعال سماء بيروت فرحاً بالنصر الاستراتيجي التاريخي الذي قال السيد حسن نصر الله ان حزبه حققه. متى الاحتفال الحقيقي بهذا النصر كي نرفع الاعلام والصور وندبك على اهازيج الاغاني التي تشرح انجاز تدمير ومحاولة قتل الوطن. لن تكون هناك مشاكل في إيجاد الصور التي ترافق احتفالات ذلك الانتصار، فأينما التفتّ في لبنان ، فوقه او تحته، تجد ان الدمار متوفر، ومشاهد الخراب الاقتصادي متوفرة هي الاخرى بقيمة مليارات الدولارات.

قال الامين العام لحزب الله انه لن ينتظر «آليات الحكومة التي ستستغرق وقتاً»، فالحزب «يأمل في التمكن خلال شهور قليلة من اعادة بناء المنازل التي هُدمت». طبعا لا علاقة للحزب بإعادة البنية التحتية فهذه تبقى من مسؤوليات الحكومة، وطالما ان انقلاب السيد حسن نصرالله على الدولة لم يكتمل بعد، فعلى الحكومة ان تتكفل بإعادة بناء بنية لبنان التحتية.

دعوا الجراح تنزف، اصلوا السكاكين بشكل احّد، من يجد مثل هذا الشعب؟ ولننظر الى ما اسفرت عنه هذه الحرب: صمود، ودمار، وخرائب، وحرائق، وامهات ثكالى، واطفال يتامى، وخسارة بمليارات من الدولارات، ولا توجد مليارات طاهرة، فهي مثل وصف الجيش: نقبل بانتشاره في الجنوب وكنا نخاف عليه. ثم بعد ايام قليلة: ان الجيش غير قادر على حماية لبنان في هذه المرحلة. ونفس الشيء ينطبق على القوات الدولية.

هكذا الاموال الطاهرة منذ ايام، لا بد انها تلطخت بالدم البريء الذي سُفك وبسواد القلوب والنيات. يقول مصدر لبناني: إن صراعات داخلية بدأت تعصف داخل قيادة حزب الله، وان بعض القياديين متخوف من كون الحزب لم يعد يتمتع بالغطاء الشيعي اللبناني بشكل كامل، وان البعض الآخر لا يهمه الهدف الداخلي، فالانتماء هو لأبعد من الداخل.

ويضيف: اذا كان الامين العام لحزب الله يتقن إلقاء خطب نارية باللغة الفارسية وبطلاقة، فإن مساعده القوي نعيم قاسم عاد يكرر تصريحه الشهير الذي ادلى به عام 2004: ان حزب الله يعمل في السياسة بالبدلة المرقّطة.

كثرت، بعد دمار لبنان، الاحاديثُ والتأويلاتُ عن ان مخططاً لتدمير لبنان وُضع قبل سنة، وان اجتماعات عُقدت حينذاك في واشنطن شارك فيها ناتان شارانسكي وبنيامين نتنياهو باشراف نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني ورسموا خطة التدمير للقضاء على حزب الله. ويتمسك هؤلاء بما كتبه سيمور هيرش في العدد الاخير من «ذي نيويوركر» بأن طبخة تدمير لبنان وضعت كمقدمة لغارات جوية اميركية على ايران لاحقا. والكل يريد ان يقنع الكل بأن السبب ليس في خطف جنديين اسرائيليين وقتل ثمانية خارج الخط الازرق، لأن اسرائيل ـ كما حلل احدهم ـ زجت بجنودها على درب مقاتلي حزب الله.

في المقابل هناك ايضا من يرد على هؤلاء بالقول: ان حزب الله شعر ان الحلقة بدأت تضيق حوله مع استعادة لبنان لعافيته، وقد بدأ الاقتصاد ينطلق وان اثرياء الخليج يستثمرون بكثرة في اراضيه ومصارفه ومصايفه، وان كل هذا لم يعد يقنع المتحاورين على طاولة الحوار الوطني بتبرير حزب الله في الابقاء على سلاحه مرفوعا فوق رؤوس اللبنانيين على اساس انه موّجه ضد اسرائيل، فكان ان ارتكب تلك العملية مع معرفته المسبقة بأن الرد الاسرائيلي (حسب الخطة الموضوعة التي يتحدثون عنها) سيكون صاعقا ومدمرا، الامر الذي سيبرر الابقاء على سلاحه، والعودة عن التفكير بتطبيق القرار 1559 والبدء من جديد بمحاربة المحتل الاسرائيلي. اذن كانت هناك خطة اسرائيلية قابلتها خطة حزب الله، فالتقت الخطتان على تدمير لبنان ومحاولة إذلال شعبه ونسف اقتصاده.

منْ سيحاسب منْ في لبنان بعد الذي حل فيه؟ ان اللبنانيين اليوم، شعبا واعضاء حكومة، منقسمون حول التعاطي مع ما اسفرت عنه حرب الثلاثين يوما. هناك اعتراف معلن بقدرة حزب الله على المواجهة والصمود و«الانتصار العسكري» بصواريخه على الآلة الحربية الاسرائيلية الموصوفة. لكن وكما ان المحاسبة في اسرائيل بدأت فلا بد من ان تصل الى لبنان، لان «انتصار» حزب الله لم يكن من دون ثمن، والثمن دفعه كل لبنان، وبحساب الخسائر والارباح لم يحقق حزب الله بصموده وصواريخه ارباحاً بل خسائر باهظة في بنية لبنان وهو الذي تعهّد بالحفاظ عليها وإبعاد الضرر عنها. لقد نجحت صواريخ حزب الله في انزال افدح الاضرار في كريات شمونه، وبعض حيفا، لكنها فشلت في التصدي او في الحؤول دون الكارثة التي حلت بلبنان الوطن واللبنانيين. من هنا ظهر الانقسام في التعاطي مع هذه الكارثة، خصوصا بعد تراجع حزب الله عن موقفه من تطبيق القرار 1701، الذي تعلق به اللبنانيون لوقف الحرب، وذلك بعد ان رفضت ايران وسوريا ذلك القرار على لسان وزير الخارجية الايراني منوشهر متقي، ووزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان. ويقول لي النائب اللبناني السابق فارس سُعيد من مجموعة 14 آذار: «لقد استخدم حزب الله من قِبل سوريا وايران لتحسين ظروف مفاوضات الجانب الايراني مع المجتمع الدولي، والذي دفع الدم كان حزب الله وكل الشعب اللبناني، واذا حقق حزب الله انتصارا عسكريا خلال صموده ، فهذا الانتصار لا يمكن ان يكون انتصارا للبنان، لأن لبنان هُزم فعلا من خلال هذه المعركة». ويضيف سُعيد:«ان رئيس الوزراء فؤاد السنيورة الذي يمثل كل لبنان وليس شريحة من اللبنانيين، كان الحلقة الاضعف في هذه الحرب. لقد كان لبنان على ابواب صيف واعد على المستويين السياحي والمالي، فتحول اللبنانيون الى مواطنين مجردين مسمرين امام شاشات التلفزيون بقرار اتخذه رجل واحد في لبنان اسمه حسن نصر الله. بعد هذه الحرب خسر حزب الله الإجماع الوطني الذي كان يحيط به، وتكثر الاسئلة في لبنان اليوم حول مستقبل حزب الله، وجدوى بقائه وبقاء الاسلحة بين يدي مقاتليه».

واسأل النائب السابق فارس سُعيد عن رده حول ما ذكره ضابط سوري كبير لأحد السياسيين اللبنانيين الذين يصطافون حاليا في بلودان، من ان سوريا عندما انسحبت من لبنان فضّلت ان تسلمه الى ايران، وليس لمجموعة 14 آذار التي تعتبرها عميلة لاسرائيل؟ فقال: «ان تهمة العمالة جاهزة منذ عام 1948 ولا تستحق الوقوف عندها. اما تسليم لبنان لايران، فإن الخيار لم يكن لسوريا، لان ايران وضعت يدها على سوريا وعلى لبنان وهي التي تقود هذا الحلف السوري ـ الايراني، وليست سوريا التي تقود او الرئيس السوري بشار الاسد من يجلس على مقعد قيادة هذا الحلف». ويضيف سُعيد قائلا: «ان هذه المنطقة ، منطقة انبياء ورسل واصحاب رؤى، وهناك من يريد ان يفرض نفسه على الساحة الاسلامية والعربية على قاعدة موازين القوى، واعتقد بأن طهران هي التي تقود هذا الحلف الذي يبدأ من طهران ويمر عبر النظام السوري ويرسو في الضاحية الجنوبية من بيروت. لقد تحّكم الحلف بسوريا وايران، وتحاول سوريا بين وقت وآخر القول انها موجودة، ولكن من سخرية القدر ان منطقة جبيل التي مثلتها يوماً في البرلمان اللبناني والتي انتمي اليها قلبا وقالبا، رفضت اخيرا (اثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب) استقبال وزير خارجية سوريا وليد المعلم، واجبرته على التوجه الى طرابلس. اروي هذه الحادثة للاشارة الى اين وصلت سوريا».

ويستبعد سُعيد ان يرتاح لبنان وان تبرز فيه طبقة سياسية واعية اذا استمر نوع محدد من الانظمة في العالم العربي وعلى رأسها النظام السوري:«لأنه لا امكانية لنمو دولة ديموقراطية الى جانب دولة ديكتاتورية، ولا امكانية لتكافؤ اقتصادي، وسياسي واجتماعي بين دولتين اذا كانت دولة ترتكز على العنف واجهزة الاستخبارات والصفقات مع الخارج وتخضع للخارج ولا تتناغم مع مجتمعها، ودولة قادرة على النهوض وترتكز على مجتمع حيوي مثل المجتمع اللبناني بكل اطيافه وفئاته».

وماذا عن ايران وهل ستقبل بهزيمة اذا تخلى حزب الله عن سلاحه وهي التي عبره تعتقد انها وصلت الى البحر الابيض المتوسط ؟ يقول سُعيد: «يمكن لايران الوصول الى البحر الابيض المتوسط من خلال علاقة ممتازة بين الدولة اللبنانية والدولة الايرانية، فلماذا تصر على الوصول الى المتوسط عبر فريق من اللبنانيين وجماعة من الجماعات، وعلى قاعدة الانخراط في الصراع العربي ـ الاسرائيلي، او على قاعدة العنف؟ لماذا الوصول الى البحر المتوسط على ثقافة الاستشهاد والدم، الا اذا كانت هناك رغبة ايرانية لفرض امر واقع ثقافي وسياسي في المنطقة؟ في هذه الحال اعتقد ان مسؤولية مواجهة ايران لا تقع فقط على عاتق لبنان؟».

لكن كيف قلب حزب الله الطاولة على رؤوس اللبنانيين بهذه البساطة، وكان هذا الثمن الباهظ؟ يقول سُعيد العضو في مجموعة 14 آذار:«لأن نصف عقلنا شرقي ونصفه غربي، هذه هي مأساتنا في لبنان وتسمى في علم الطب: سكيزوفرانيا سياسية. اضافة الى رواسب الحرب والمال وعدم وجود دولة حاضنة للجميع وعدم وجود عدالة. كل هذه النواقص تفسح في المجال لأن تُقدم مجموعات لبنانية على المغامرات. ان الشيعة وحزب الله ليسوا الاوائل في الاقدام على المغامرات، لقد سبقهم الموارنة، ان حزب الكتائب عقَّد الناس».

في النهاية يؤكد فارس سُعيد أن لبنان بعد 12 تموز (يوليو) لن يعود كما كان قبل هذا التاريخ، ولا يعود السبب لقرارات الشرعية الدولية انما لوعي الناس والوعي الاعلامي، «وان كان الاعلام الداخلي مغلوباً على امره». ويؤكد ان الجيش اللبناني لن ينقسم وان حزب الله سيتخلى عن سلاحه مهما كانت الاعذار: «وهنا نقول له، من الافضل ان ينخرط في السياسة الداخلية اللبنانية بدل ان يخضع لقيادات وأوامر خارجية».