درس لبنان: السياسة لا الحرب هي الطريق

TT

حرب لبنان مضرة بإسرائيل والولايات المتحدة، والاهم من ذلك بلبنان ذاته. ولكن ربما تكون قد علمت الجميع درسا سيصبح في غاية الأهمية لمستقبل الشرق الأوسط: حل المشاكل الكبرى في المنطقة ليس عسكريا بل سياسيا.

رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، يتعرض للطمات في الداخل لفشله في تحقيق نصر سريع على حزب الله. ولكنه يستحق الفضل لاعترافه بالحاجة الى تسوية سياسية تعزز سلطات الدولة اللبنانية. فقد قاوم الضغوط من جنرالاته لشن هجوم بري شامل شمال نهر الليطاني، وفهم ان السعي لتحقيق حل عسكري حاسم، سيدفع اسرائيل نحو المستنقع اللبناني.

والبطل غير المتوقع هو رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السينورة. فقد كان مدافعا متحمسا عن الشعب اللبناني وفكرة الدولة اللبنانية ـ وهو ليس بالانجاز السهل في دولة لا تزال تتعافى من الحرب الاهلية. فقد تمكن من الحفاظ على حكومته، بما ذلك وزيرا حزب الله. وكان مهندس العناصر الرئيسية لاتفاقية وقف اطلاق النار: فقد حث على التوصل الى وقف سريع لاطلاق النار، بدلا من الاتفاقين المضلين للولايات المتحدة وفرنسا، ونجح في الدعوة لتوسيع قوات «اليونيفيل» لمصاحبة الجيش اللبناني في الجنوب، بدلا من تشكيل قوة دولية جديدة تماما.

وما تمكن السينورة من تحقيقه، هو اتفاقية لبنانية للغاية، فهي مليئة بالغموض اللازم لموافقة جميع الاطراف. وقد نجح في عرقلة الجهود الاميركية والفرنسية لتوسيع «اليونيفيل» طبقا للفصل السابع للتفويض العسكري التابع للامم المتحدة لخوف حزب الله من انها ستؤدي الى ما يشبه قوة الاحتلال العراقية في جنوب لبنان. وقد اقنع الولايات المتحدة، بالرغم من الاعتراضات الاسرائيلية، لجعل الامم المتحدة تدرس الخلاف بخصوص مزارع شبعا، وهي منطقة تحتلها اسرائيل بالقرب من مرتفعات الجولان، وهو الامر الذي كان من بين حجج حزب الله لاستمرار مقاومته المسلحة ضد اسرائيل.

والورقة الرابحة في الاتفاق هو حزب الله. ومع استمرار الحرب، اعتبر معظم المعنيين زعيم الجماعة حسن نصر الله، هو الفائز الكبير. ومما يثير المفارقة، ان ذلك سيصبح صحيحا اذا ما التزم بالاتفاق الذي توصل اليه السينورة، وسحب مقاتليه من جنوب لبنان. واذا ما حاول استمرار الحرب او العمل كوكيل لايران، فسيفقد الهالة الجديدة المحيط به. ويعتقد المسؤولون الاميركيون ان حسن نصر الله، ربما قاوم الضغوط الايرانية للاستمرار في القتال عندما وافق على مقترحات السينورة. وفي الوقت نفسه فإن السوريين، الراعي الآخر لنصر الله، لم يلعبوا أي دور على الاطلاق في النتائج الدبلوماسية مما يعمق عزلتهم.

لقد اجريت مقابلة مع نصر الله مرتين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كان الموضوع الاساسي الذي ناقشناه هو كيفية استيعاب قوة حزب الله العسكرية بنجاح داخل نسيج الدولة اللبنانية. وكان في كل مرة يؤكدا ان «حزب الله» لن يهدد لبنان، لكن بالطبع هذا ما فعله نصر الله على وجه التحديد عندما احتجزت قواته جنديين اسرائيليين في 12 يوليو (تموز) الماضي، الشيء الذي تسبب في الهجمات الاسرائيلية.

واذا لم يتصرف نصر الله على نحو اكثر مسؤولية بالتزامه الإطار الجديد للامم المتحدة، فإن نصر الله سيعرض نفسه ولبنان الى خطر ماحق.

والآن، كيف تعاملت ادارة بوش مع الحرب؟ مساعي كوندوليزا رايس الدبلوماسية الاولى كانت بطيئة، ودفعت الولايات المتحدة ثمنا باهظا فيما يتعلق اجندتها للديمقراطية في الشرق الاوسط. إلا ان كوندوليزا رايس وزملاءها حسنوا اداءهم عندما بدأت الأزمة تتعمق، وكان اداؤهم جيدا بالفعل في التوصل الى اتفاق نهائي. اعتقد ان الادارة الاميركية تعلمت درسا كبيرا يتلخص في ان الولايات المتحدة، يجب ان تواصل دورها الدبلوماسي القوي الذي اتبعته خلال الشهر السابق. اصبح الشرق الأوسط مكانا تصبح المشاكل فيه خطرة اذا تركت من دون علاج.

اثبت التاريخ ان فترة ما بعد الحرب يمكن ان تفتح ابوابا غير متوقعة للسلام، وأدرك مسؤولو الادارة الاميركية ان امامهم فرصة. كان هناك حديث حول مبادرة واسعة بقيادة الولايات المتحدة للدفع مجددا باتجاه نزع فتيل النزاع الفلسطيني، وإعادة بناء اقتصاد لبنان والدول العربية الأخرى المتعثرة واستكشاف بنى اقليمية جديدة للأمن في العراق، وأماكن اخرى وتشجيع عملية مصالحة عربية ـ اسرائيلية واسعة.

ثمة خوف داخل إدارة بوش، من ان هذا النوع من صنع السلام بواسطة الولايات المتحدة، سيثير ذعر الاسرائيليين في الفترة المؤلمة لما بعد النزاع في لبنان. المخرج من مأزق الشرق الاوسط يتمثل في الاتفاقيات السياسية، وليس الخطوات التي تتخذ من جانب واحد او الحملات العسكرية المتهورة.

ايران والأطراف التي تعمل لها بالوكالة، آثرت اتباع نهج دموي نحو المستقبل. على الولايات المتحدة وحلفائها العمل بصورة ملحة لإنشاء بديل.

* خدمة «واشنطن بوست» ـ

(خاص بـ «الشرق الأوسط»)