.. ولا تنابزوا بالألقاب

TT

إن المرء، وهو يرى هذا التراشق بالاتهامات والتصنيفات بين أبناء الأمة، وتوزعها بين أحزاب وفرق متناحرة، كل حزب لم لديهم فرحون، لا يملك إلا أن يبتهل الى الله عز وجل، ان يجمع كلمة الامة، ويزيل عنها غائلة الفرقة والتناحر، ومن اكثر الظواهر ازعاجا هي تفشي التصنيف و«التنابز بالالقاب» بين حملة الاقلام وأهل الرأي والعلم، وجماعات المسلمين.

الله عز وجل اختص امة محمد، صلى الله عليه وسلم، بأن تكون خير أمة أخرجت للناس وأن تكون خاتمة الأمم، وانزل عليها افضل الكتب وآخرها، وارسل اليها افضل الرسل وآخرهم، وقال:

«إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ» ـ (الأنبياء 92).

وجعل هذه الأمة هم الشهداء على الامم من قبلهم وجعل دينهم هو الدين الوسط فقال: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (البقرة ـ 143).

ومن لوازم هذه الخيرية للأمة ان تكون امة واحدة، لا شقاق ولا تنازع ولا اختلاف مهلك بين ابنائها في عقيدتهم ومنهجهم العام، فمن خرج عن هذا الطريق، وتنكب هذا السبيل السوي الذي انتهجه لنا ديننا ونبينا عليه الصلاة والسلام، فقد خالف وصية الله، وتوجيه رسوله.

لقد حرم الله تبارك وتعالى التفرق والتناحر والتنازع وبين انه سبب فشل الأمة وضياعها قال تعالى: «وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (الأنفال ـ 46).

إذا علمنا هذا، فإنه يجب أن ندرك أن من أبرز أسباب حصول التنازع المنهي عنه، هو التنابز بالالقاب، فهو يحدث عداوة سامة بين أبناء الأمة وجماعاتها، فإذا انتشر هذا التنابز بالالقاء وتفشى التصنيف واتهام الآخرين بالخروج عن الطريق السوي والصراط المستقيم بمجرد أوهام وخيالات تشبه السراب، دافعها الأوهام وسوء الظن، او ضغائن النفوس والاحقاد والحسد، اذا انتشر كل هذا، فلا تسل عن ضعف كلمة الأمة وتسليط بعضها على بعض.

إن هذا السلوك في تصنيف الناس بالأوهام وأغراض النفوس، لهو مناف، تمام المنافاة للعدالة ولتحقيق نشر المودة بين المؤمين، الذي هو مراد من مرادات الله، ويتنافى أيضا مع مقتضى التوجيه الإلهي الكريم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أمنوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (الحجرات –11)، ويتنافى أيضا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحه: «من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما».

كل هذا من مفاسد ترك حبل غارب التصنيف، لأن من أسباب القوة واجتماع الكلمة، اتفاق الأمة وتقريب قلوبها على بعضها، ونفي الخلاف، وتوحدها على المنهج الصحيح، وعدم الخروج عنه، وايضا عدم التهاون في تصنيف الآخرين واتهامهم بما ينفر الناس منهم، او الادعاء بمخالفتهم للمنهج، من دون حجة قاطعة ولا بينة واضحة.

من المؤسف حقا اننا بتنا نرى بعض المسلمين يجازف في القول ولا يتحرى الدقة ولا الورع، ويطلق الأوصاف ذات اليمين وذات الشمال، مصنفا هذا وواصما ذاك، لمجرد اختلافه معه فيما يحتمل وله سعة من النظر، اتهام بلا يقين ولا برهان، مع ان الورع في تصنيف الناس أوجب من الورع في التحرج من أكل الطعام الذي فيه شبهة! فمن يحرص على الورع في اكل المشتبه، ويجانب الورع في تصنيف الناس واتهامهم بالخروج عن المنهج او الانحراف عن الطريق الصحيح، من يفعل هذا فقد جانب هو الصواب، ووقع في المحظور حقيقة. فمتى يرعوي البعض منا، ويحرص على تأليف القلوب وجمع الكلمة اكثر من حرصه على تكثير الخلافات وزرع العداوات؟

كلمة نقولها لمن يريد للأمة خيرا. والله الموفق.