المقارنة بين «حزب الله» ودارفور

TT

تبدو الرئاسة السودانية مصمّمة على رفض الاستجابة لدخول أية قوات أممية لدارفور إلى درجة لا يكاد يخلو أي خطاب لها من الإشارة إلى تأكيد هذا الرفض. وتبين أن الحكومة البريطانية تعدّ مشروعاً جديداً لتقديمه لمجلس الأمن، يُحول مجيء هذه القوات من البند السابع في ميثاق الأمم المتحدة إلى الفصل السادس، ما يجعل مهمة هذه القوات قاصرة على حفظ السلام أسوة بالقوات الموجودة فعلاً في البلاد، تطبيقاً لاتفاق سلام الجنوب، وهو فِعل يقضي تنفيذه التفاهم الكامل مع الحكومة.

ومع ذلك، كرّر الرئيس البشير في خطاب له في احتفال بذكرى تأسيس القوات المسلحة الرفض، وقال: لن تدخل القوات الأممية إلى دارفور، سواء جاءت تحت البند السادس أو السابع، وسنهزمهم شرّ هزيمة، بمثل ما هزم «حزب الله» الجيش الإسرائيلي، وحيّا المقاومة اللبنانية، وذكر أنها كسرت هيبة الجيش الإسرائيلي، وخاطب اللبنانيين قائلا: «إن الجيش السوداني يمثل احتياطياً، ومتى ما طلبتموه ستجدونه بينكم ومعكم» «صحيفة «الرأي» ـ 15/8» .

وفي ذات العدد من الصحيفة، ورد خبر تحت عنوان «لجنة لتوحيد رؤية شريكي نيفاشا حول القوات الدولية»، وفيه: أحال الاجتماع الثالث للجنة السياسية المشتركة للمتابعة، قضية إحلال قوات دولية مكان القوات الافريقية الموجودة في دارفور إلى اللجنة السياسية الفرعية لمزيد من النقاش مع نجاح الاجتماع في التأكيد على ضرورة خروج الشريكين «المؤتمر الوطني والحركة الشعبية» ، برؤية موحدة بشأنها.

وإذا كان الأمر كذلك في ما يتعلق بالرؤية المشتركة، فكيف سمح الرئيس لنفسه بتكرار التأكيد على رفض القوات تحت أي بند كان؟، ألا يعتبر هذا استباقاً للرؤية المشتركة. علماً بأن الحركة الشعبية لا ترى أي منطق في رفضها تحت الفصل السادس، وفي السودان قوات أممية تتجاوز العشرة آلاف عنصر طبقاً لاتفاق سلام الجنوب بموافقة الحكومة؟، وفوق ذلك ان كل فصائل دارفور المسلحة الموقعة على الاتفاق والرافضة له، مرحبة وملحة على القوات الدولية.

وهذه القوات الموجودة في السودان وبموافقة الرئيس البشير وحزبه، لم يصدر منها ما يشي بمساسها بسيادة السودان أو باستعمار جديد أطبق على السودان، فكيف يستقيم رفض قوات مماثلة لها بدعاوى انها قوات غازية يعبّأ الجيش لمقاتلتها؟. وحتى لو سلّمنا جدلاً بأن هذا الرأي هو رأي المؤتمر الوطني الحزبي الذي يرأسه البشير، فكيف يصبح هذا هو رأي حكومة الوحدة الوطنية، وهو رأي ليس موضع اتفاق مع الشريكين الآخرين من الجنوب والغرب؟!.

وهل من المنطق في شيء، التمسك بقوة الاتحاد الافريقي التي هي قررت سلفاً إيكال الأمر إلى قوات من الأمم المتحدة معلنة عجزها عن الاستمرار بسبب عدم توفر العتاد والمال؟، وأين هو المال الذي قررته القمة العربية في الخرطوم لدعم القوات الافريقية في دارفور، بينما القائمون بأمر الاتحاد يعلنون صباح مساء، أنهم لم يتلقوا فلساً واحداً من العرب؟!.

تتكاثر الأسئلة وتتكاثر معها الحيرة، والخلاصة أن إصرار البشير على الرفض يعني المزيد من الانقسام في رؤية الحكومة والمزيد من الشروخ وسط القوى السياسية المؤيدة للقوات والمعارضة لها، ومع كل هذا التخبط والتشتت، كيف سيواجه النظام المجتمع الدولي؟.

إن السودان أحوج ما يكون لعون المجتمع الدولي في هذه المرحلة بالذات، والمجتمع الدولي، يحسب أن من أولويات المساعدات التي يحتاجها السودان استتباب أمن دارفور وعودة النازحين وبسط السلام، وهذه الواجبات كلها تستدعي أن يعينه بقوات أممية، وبالتالي فإن الرفض يعني أول ما يعني، الكف عن تقديم المساعدات الموعود بها السودان، فضلا عن فرض عقوبات عليه وفق ما يقدر المجتمع الدولي، بينما يسعى النظام لرفع العقوبات المفروضة عليه سلفاً، ويسعى في ما يسعى إلى إعفائه من ديونه وإلى تقديم العون الذي تقرر له في أوسلو بما يقارب الخمسة مليارات دولار.

ولعل أكثر ما يدعو للحيرة والاستغراب، أن الرافضين للقوات الأممية تحت أي بند كان، على حد تعبير البشير، لم يقدموا أية حجج مقنعة للرفض، بل ان الرئيس في خطابه الذي كرر فيه الرفض وحيّا المقاومة اللبنانية، قال: إنهم سيهزمون القوات الأممية، مثل ما هزم «حزب الله» الجيش الإسرائيلي. والمفارقة هي ان «حزب الله» لم يهزم أية قوات أممية، إنما هو قبِل بها وفقاً لقرار مجلس الأمن 1651، وهي قوات ستكون مهامها مماثلة تماماً للقوات الموجودة في السودان، ويمكن ان تكون تحت الفصل السادس وبالشروط التي يتم التوافق عليها مع الحكومة السودانية. وطالما أن «حزب الله» هو المثَل الذي كان موضع إعزاز وإعجاب الرئيس البشير، فإننا ندعو المؤتمر الوطني في السودان أن يترسم خطى «حزب الله» ويقبل بالقوات الدولية على نفس القاعدة وبشروط أفضل من تلك إذا شاء، لأن الوضع بالنسبة لدارفور مختلف وأكثر يسراً.

ولعل كل ما هو مطلوب من الحكومة السودانية في هذه اللحظات، هو الالتزام بالاتفاق المبدئي الذي تمّ بين الشركاء في الحكم، لدراسة أمر القوات الدولية بتروّ مع التقيد بضرورة الخروج برؤية موحدة. وقطعاً ان الدراسة تحت شرط الرؤية الموحدة، ستقود حتماً إلى مخرج من هذه الورطة، لأن المنطق سيقود للوصول إلى ما يوحّد الصف والتوافق مع المجتمع الدولي.