ما أسهل أن تكون سعيداً

TT

تلقيت هذه القصة وطلب مني صاحبها المجهول أن أنقلها للناس: مريضان في غرفة واحدة. أحدهما قريب من النافذة والآخر نائم بعيداً وعاجز عن القيام. والذي إلى جوار النافذة ينظر ويصف جمال الدنيا خارج الغرفة.. حديقة جميلة الألوان.. الأصفر والأبيض والأزرق والسماء من فوقها زرقاء. وتتغطى بغلالة بيضاء. وفي الليل تظهر النجوم بعيدة تتلألأ فيزداد الوجود جمالاً.. وفي الصباح تتخذ الدنيا لوناً وحياة جديدة.. السيارات تمرق وتبرق. والأطفال في الحديقة يلعبون فيزداد الوجود جمالاً وفخامة.. والأمهات جميلات ويزددن جمالاًً كلما احتضنّ الأطفال..

ومن الزهور والورود والأشجار والطيور والضحك والابتسامات تتكون موسيقى الكون. وكان المسموح للمريض إلى جوار النافذة أن يجلس معتدلاً ساعة كل يوم ليساعد الدورة الدموية على الحركة.. وبعد ذلك يجب أن يستلقي في فراشه.. وكان المريض البعيد عن النافذة ينتظر هذه الساعة فهي الدنيا كلها.

وفي يوم أعلن المريض إلى جوار النافذة أنه يرى فرقاً موسيقية ضخمة وأنها تعزف موسيقى جميلة ومارشات عسكرية.. إن الناس قد التفوا حول هذه الفرقة الموسيقية.. يرددون الأغاني ويظهر ذلك على وجوههم بشاشة ونضارة. وكان المريض البعيد عن النافذة لا يسمع هذه الموسيقى، لكنه اعتاد أن يتخيل كل ذلك. وفي يوم بلا مقدمات توفي المريض الذي بجوار النافذة. وجاءت الممرضات يبكين وقدمن العزاء للمريض بعيداً عن النافذة. وطلب المريض منهن أن ينقلن سريره الي جوار النافذة. وكانت المفاجأة. فلا يواجه النافذة إلا حائط يسد الرؤية ثم أن المريض الذي مات كان أعمى! فما المعنى؟

حتى هذا التفسير ليس من عندي وإنما من عند المؤلف المجهول. يقول إن في الدنيا سعادة وفرحة وبهجة وفي استطاعة الإنسان أن ينقلها للآخرين. فهذا الأعمى أراد أن يدخل البهجة علي زميله المريض فراح يروي ويحكي ما لا وجود له! وكلاهما سعيد. هذا بخياله، وهذا بما يستمع إليه.. ولم يكن في حاجة إلى أن يقفز من النافذة ليرى، ولا في حاجة إلى أن يعترف بالحقيقة.

فالسعادة إرادة..أنت تريد أن تكون سعيداً فتستطيع. وتريد أن تسعد الآخرين فتستطيع أيضاً. وهذا هو المعنى. لعله يكون قد بلغك. فأكون أنا قد أديت الأمانة.