هزيمة التطرف بالشراكة مع الجاليات المسلمة

TT

عادت قضية الإرهاب خلال الأسبوعين الماضيين للبروز بكل قوة في الصحافة البريطانية والعالمية، مما حمل تذكيرا آخر لنا بأننا نواجه تهديدا عالميا وجَّه ضرباته بشكل متكرر في صميم أوروبا والعالم الإسلامي، تاركا أجزاء قليلة جدا فحسب في العالم لم يصبها أي سوء. لهذا السبب، فإن التعاون الدولي ضروري وحيوي. وكان العديد من زملائي من الوزراء في الاتحاد الأوروبي واضحين جدا، خلال لقاء مثمر معهم، بأننا جميعا في الأمر سواء. وقد تمت إثارة العديد من المقترحات المفيدة للبناء على التقدم الذي تم إحرازه منذ وقوع الهجمات في مدريد عام 2004 ولندن العام الماضي.

إلا أن هذه ليست مشكلة يمكن حلها بالاعتماد فقط على الجهود المبذولة على مستوى الحكومات والأجهزة الأمنية، بل أنها تتطلب دعما ومساندة من المواطنين العاديين، بمن فيهم المسلمون في أوروبا البالغ عددهم 12 مليون مسلم. يتعين علينا معا أن نواجه مواجهة شاملة التحدي الكامن أمامنا جميعا: كيف يمكننا، كمجتمعات ديمقراطية ومنفتحة، أن نحارب بأكمل وجه الإرهاب بدون أن نضرّ بقيمنا التي نؤمن بها؟ كيف يمكننا الموازنة ما بين الحقوق الفردية التي نتمتع بها جميعا والحق الجماعي بأن ننعم بالسلامة والأمن اللذين نحتاج إليهما كمجتمع؟

لقد برز جليا خلال لقاءي مع أفراد من الجاليات المسلمة مدى عمق القلق الذي يشعر به المواطنون تجاه العواقب السلبية للتهديد الإرهابي على الجاليات التي ينتمون إليها.  

وفي هذا الوقت، حينما يكون هناك من يسعون لشق صفوفنا، فإن رعايتنا لروح الوحدة والتضامن والثقة المتبادلة عبر جميع الجاليات والأديان في أوروبا تحتل اليوم أهمية أكثر من أي وقت مضى. وكان مؤتمر المسلمين في أوروبا ـ الذي عُقد في اسطنبول بشهر يوليو (تموز) الماضي بدعم من الحكومة البريطانية ـ خطوة مهمة في تدارس التحديات والفرص أمام المسلمين في أوروبا اليوم. حيث اجتمع عدد من أشهر علماء الدين والمفكرين المسلمين من أوروبا وخارجها لمناقشة بعض من أهم القضايا وثيقة الصلة التي تواجه المجتمع الأوروبي فيما يتعلق بالجاليات المسلمة ـ ألا وهي قضية الهوية والمواطنة والدين والدور في الحياة العامة. وقد صدر عن هذا المؤتمر إعلان قوي يشجع على الانسجام الاجتماعي، ويدين الإرهاب، ويناشد الحكومات الأوروبية على تشجيع الحوار. مساهمات المسلمين كثيرة في تاريخ أوروبا، وما زالوا يساهمون في حاضرها، كما أنهم يشكلون عنصرا مهما بمستقبلها. وحقيقة أن المسلمين والأوروبيين استفادوا غاية الاستفادة من التقدم العلمي والثقافي لدى بعضهم البعض عبر القرون الماضية، مما يدحض الزعم القائل إن ثقافتينا لا تتوافقان مع بعضهما بعضا أو أنهما ثقافتان متعاديتان. لدينا اهتمام مشترك بالدفاع عن هذه القيم المشتركة ومعالجة التعصب والتطرف بجميع أشكالهما، بما في ذلك الرهاب من الإسلام.

لهذا السبب، أشعر بأشد الغضب تجاه أن الهجمات الإرهابية التي وقعت في نيويورك ومدريد ولندن والدار البيضاء والرياض، وهي من بين العديد في غيرها من المدن التي تعرضت لأعمال إرهابية، كانت أعمالا ارتكبها عدد ضئيل جدا من شعوبنا ممن يسعون لتدمير هذه القيم والخصائل المشتركة. إنهم يحاولون استغلال سياساتنا مبررا للأعمال الإرهابية الشنيعة التي ينفذونها. ليس لدينا أدنى نيّة لمحاولة استرضائهم عبر تغيير هذه السياسات، وقيامنا بذلك سيكون ضربا من العبث. ذلك لأن صراعهم ليس مع السياسات نفسها، بل أنهم يدّعون بكل سخافة وغباء بأن الحكومة التي تضع هذه السياسات منخرطة بنوع من الثأر المعتوه المعادي للإسلام، وبالتالي فإن كل ما تفعله هذه الحكومة يعتبر بحكم طبيعته مُضِرّا بالمسلمين.  

حينما يبذل العاملون بوزارتي والوزارات الأخرى الكثير من الجهود لتعزيز الانسجام ما بين الجاليات والأديان، فإن مثل هذا الادعاء بالكاد يستحق الرد عليه. إلا أن جزءا من حجة المتطرفين تستند إلى انتقاد التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب التي تبنيناها بغرض استهداف هؤلاء المتطرفين الذين يعتنقون العنف. أؤمن بشدة بأن الإجراءات التي نتخذها هي أقل الخطوات اللازمة التي يتعين على أي حكومة مسؤولة أن تتخذها للدفاع عن مواطنيها مهما كانت ديانتهم أو موطنهم الأصلي. إن الهجمات الإرهابية الوحشية التي يتم ارتكابها في جميع أنحاء العالم هي برهان ـ إن كان هناك أي لزوم لأي برهان ـ على أننا ما زلنا نواجه تهديدا حقيقيا كبيرا لا نهاية له، ونحتاج لتبني تدابير صارمة لا هوادة فيها لمكافحة هذا الإرهاب.  

إنني مدرك تمام الإدراك بأن أي إجراءات تعسفية وشديدة الوطأة تطال الأبرياء خلافا لما هو مرجوٌّ منها ـ بمن في ذلك مليونا مسلم من محبّي السلام يعيشون في بريطانيا ـ سيكون تأثيرها عكسيا وسيستغلها الإرهابيون أسوأ استغلال. لهذا السبب، فإننا ندرس بكل حذر الإجراءات التي نتخذها، كما أننا ننخرط في مشاورات واسعة النطاق مع ممثلي الجاليات نفسها لكي يتكون لديهم فهم كامل لما نفعله، ولأن تكون لديهم الفرصة للإدلاء بأفكارهم وآرائهم. ومن الضرورة بمكان ألا نسمح بانتشار أي سوء فهم لهذه السياسات. وفوق كل اعتبار، نحتاج للإسراع بجهودنا لمنع مواطنينا من التحول إلى الإرهاب، وذلك بأن نعمل على مشاركة خبراتنا تجاه التطرف وتجنيد المتطرفين من خلال بيئات اجتماعية كالمدارس وأماكن العبادة، أو عبر وسائل الإعلام. العمل جارٍ بالفعل على منع تأصل جذور العنف بين جيل الشباب، وذلك عن طريق تطوير فهم للتنوع الثقافي بأوروبا والقيم الأساسية المشتركة التي تؤمن بها؛ ويتعين علينا البناء على هذه الجهود. نحتاج بالنهاية لخلق مجتمع أوروبي شمولي يضم الجميع.  فقط من خلال الدفاع عن مواطنينا ضد الإرهاب دون تدمير الحريات التي تبنى عليها مجتمعاتنا، ومن خلال سعينا لهزيمة الإرهابيين بدون أن نؤدي لشعور المسلمين بأننا نستهدف الإسلام، ومن خلال معالجة المظالم المشروعة بالعالم الإسلامي بدون توثيق ادعاءات الإرهابيين، سيكون باستطاعتنا بناء بيئة يسودها التسامح والحرية؛ بيئة لا يستطيع الإرهاب أن يزدهر بها. إنني مدرك تماما لمدى عِظَم هذه التحديات، لكنني على ثقة تامة بأن أفضل السبل لهزيمة الإرهاب العالمي يمر عبر التعاون الدولي وتيقظ ودعم مواطنينا من جميع الأصول العرقية والمعتقدات الدينية ـ وهو أمر باستطاعتنا جميعا العمل على تحقيقه.

* وزير الداخلية البريطاني

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»