لبنان في سجن الجغرافيا!

TT

أشعر بأن جغرافية لبنان، التي هي سر جماله، جلبت إليه بعض متاعبه، تماما كما يجلب الوجه الجميل لحسنائه بعض الأحزان، حينما تجد نفسها محاصرة بنهم العيون الجائعة.. فهذا البلد الذي منحته جغرافيته هذا التنوع من السهول والجبال والوديان والثراء النباتي، جعلته يتكئ كثيرا في اقتصاده على السياحة، التي أصبحت تشكل مصدر دخل أساسيا ورئيسيا لهذا البلد، إذ نال لبنان نصيب الأسد من حصة السياحة العربية، خاصة الخليجية منها في السنوات الأخيرة، لكن للاعتماد على السياحة خطورته، فالسياحة ذات حساسية مفرطة تجاه الحروب والتوترات الأمنية، لذا كانت خسارة لبنان هذا العام كبيرة وفادحة بكل المعايير، وقد تستمر لسنوات آتية، قبل أن يتمكن لبنان من إعادة إعمار ثقة السائح التي هدمتها الحرب.

وللجغرافيا أحكامها القاسية أحيانا، وأصعب أحكامها تطبق اليوم على لبنان، فهذا البلد الجميل يحاط بالبحر والعدو، ومجاله المتاح يتمثل في حدوده مع سورية، ومع هذا فإن هذه الحدود مهددة بالإغلاق إذا ما تم نشر قوات دولية عليها.. ولنا أن نتخيل حال لبنان واللبنانيين وسط هذه الكماشة الضاغطة، فتنفيذ سورية لتهديدها بإغلاق الحدود مع لبنان يعني الحكم بسجن لبنان داخل جغرافيته..

لكن لماذا هذا التلويح السوري بإغلاق الحدود؟

ولماذا يرى الرئيس السوري بشار الأسد في نشر القوة الدولية على الحدود السورية ـ اللبنانية خلقا لحالة عداء بين البلدين؟

لو تجاوزنا المسألة السياسية ـ رغم أهميتها ـ إلى الاقتصادية، فإن لبنان اعتاد أن يكون متنفسا اقتصاديا رئيسيا بالنسبة لسورية، فقبل رحيل قواتها من لبنان بلغت أعداد العمال السوريين، وفق بعض المصادر، نحو 800 ألف سوري، يحولون سنويا أكثر من 100 مليون دولار، فضلا عن تجارة مشتركة بين البلدين تصل إلى 300 مليون دولار في العام، يميل ميزانها لصالح سورية، ونشر قوة دولية على كامل الحدود السورية اللبنانية يثير هواجس سورية السياسية والاقتصادية في آن واحد، وهذا ما يدفعها إلى أن تلوح بالورقة الوحيدة التي تمتلكها وهي إغلاق الحدود، وكأنها تطبق المثل «علي وعلى أعدائي»، فهي ستفرض بذلك على لبنان عزلة محكمة، أطرافها البحر والعدو والبلد الذي كان صديقا!

فهل تتراجع سورية عن اللعب بآخر الأوراق؟ وأخطر الأوراق؟ وأكثرها عدائية؟

[email protected]