إشكالية اندماج المسلمين في بريطانيا..!

TT

ثلاثة احداث متفرقة رابطها يثير الانزعاج.

يوم الثلاثاء اصطحب سيد حسين (62 عاما)، المواطن البريطاني المسلم، شقيقته (60 عاما) وزوجها (74 عاما) اللذين جاءا من دبي لزيارته في لندن حيث يقيم منذ 35 عاما، لركوب العجلة الضخمة المعروفة بعين لندن London Eye . ورغم مرور الثلاثة، مثل بقية الزوار، بجهاز كشف المعادن، فإن حارسا بمجرد سماعهما يتحدثون العربية، فتش حقيبة المستر حسين، وليس فيها سوى مياه ومشروبات، وأصرَّ على وضعها في امانات محطة سكة حديد واترلو القريبة. وعندما وقف في نهاية الطابور مرة اخرى، استجوبه الحارس عن وجود سكاكين معه وفتش جيوبه علنا بشكل مهين.

وفي الخميس الماضي، استقل سهيل عسارف، و كهورام زيب، الطالبان البريطانيان، طائرة شركة مونارك للخطوط الجوية Monarch في مطار ملقة الإسباني بعد المرور باجراءات الأمن، فاحتج بعض الركاب البيض على وجودهما بعد سماعهما يتحدثان «العربية» (في الحقيقة تحدثا اوردو). ورغم تأكيدات سلطات الأمن الاسبانية بالمضي في الرحلة، امرهما طيار قائد الرحلة، وبجبن وغباء ينم عند عدم كفاءته او اهلية لتولي قيادة اي موقف او اي جماعة، بمغادرة الطائرة في الثانية صباحا.

والثالثة خطاب روث كيللي، وزيرة شؤون المجتمعات في حكومة توني بلير الخميس، بانشاء مفوضية لمكافحة التطرف ودعم التماسك الاجتماعي.

وهو اعتراف ضمني بفشل التعددية الثقافية Multi-culturalism حيث تساءلت عن دورها في اعاقة او دعم تكامل المجتمع Social Integration وتماسكه. وكنتُ حذرت من قبل في «الشرق الأوسط» والصحف البريطانية من خطورة دفع التعددية الثقافية communities مجتميعات (تصغير مجتمعات لغياب المفردات العربية) المهاجرين، خاصة المسلمين نحو الانعزالية بدعوى التمسك بالخصوصية الثقافية.

وأخطأت المدام كيللي في عدم الدعوة للاندماج الكامل Assimilation كغاية للمساوة وتماسك المجتمع بدلا من «التكامل» او تركيب أجزاء محددة الشكل كالصورة المقطعة حيث تنهار الأجزاء عند اي هزة، وقد يضيع بعضها فتفسد الصورة.

فتعريف communities او مجتميعات والمفرد Community سوسيولوجيا (علم الاجتماع) هو «تجمع أشياء حية (كائنات) تشارك بيئة واحدة». والبيئة هنا environment وليست cultureاي بيئة للنمو (مثل تنمية بكتيريا في معمل بيولوجي).

والمجتميعة community مشتقة من المشاركة العامة Communis باللاتينية والمجتمعيات جمع communities ثلاثية الاصول. بادئة لاتينية Com- (تعمدت وضع ـ بعد المقطع لأنها بادئة فقط) وتعني

«ب» او «مع» (المقابل بالانجليزية لـ with/together) والثانية

« Munis-» وتعني في اللغات الهندو ـ اوروبية: «الجوهري التغير» او «التبادلات الرابطة «(تبادلات مدنية او مالية)؛ والثالث لاحقة لاتينية هي «- tatus» (تعمدت سبقها ب ـ «لأنها لاحقة) تعني اضافتها التصغير او التركيز او التضييق من العام الى المحلي (كتصغير كتاب الى كتيب).

ومن ثم فالـ Community تجمع عبر تبادلات متغيرة الجوهر اكثر تركيزا مما يربط المجتمع الأكبر Society.

وكان السوسيولوجيست الألماني فريدناند توننيس (1855ـ 1936) قد فرّق في دراسته Society 1887 بين المجتمع Society والمجتميع Community .

ورأى توننيس الوحدات الأصغر كالأسرة والعشيرة أكثر تماسكا ككيان اجتماعي من الـ Society المجتمع tighter and more cohesive social entity« بسبب توحد الإرادة/المشيئة Unity of will.

وحكومة بلير مثل «الأخ الأكبر» في 1984 لجورج اورويل، مهووسة بدس انفها في شؤون الناس، واستغلت «التطرف الاسلامي» في اهدار ضرائبنا على لجان ومفوضيات تعمق انفصال مجتميعات المهاجرين، بدل اندماجها الكامل Assimilation في الأمة البريطانية.

خلقت الانعزالية شرخا ثقافيا وسيكولوجيا جماعيا وازمة هوية معاصرة لدرجة ان مواطنين انجليزا مائة في المائة انتحلوا هوية انتماء ثقافي اجنبي (الإسلاموية السياسية) بعد اصابتهم بشيزوفرانيا ازدواجية

«نحن» و «هم» الثقافية في جسم واحد. وارتكبوا ما يناقض الطبيعية البيولوجية البشرية عندما قتل النصف «نحن» أكثر من خمسين وجرح مائة من النصف «هم» في يوليو (تموز) الماضي.

وربما تفسر هذه الشيزوفرانيا خيار الانتحار (بدلا من وضع القنبلة وتفجيرها من بعيد) للهروب من مأزق التناقض الشيزوفراني الحاد المؤدي للجنون، اذ كانت دماء مائة وخمسين «هم» ستبقى عالقة بأيدي «نحن» حيث ان «نحن» و «هم» كيان واحد.

فمثلا قضية تلميذة مراهقة تمردت على لوائح المدرسة برفض ارتداء اليونيفورم بايعاز من شقيقها ومجموعة «ثوار» (من جماعات تبرر العنف وتريد «فتح» بريطانيا على يد جيش المسلمين!) استأجروا المحامين لدعم دعوى الفتاة باستبدال اليونيفورم بالحجاب للتمسك بـ«هويتها» الإسلامية، تفاعلت بسبب دعم اليسار البريطاني لتمرد التلميذة لخلطهم «دوغما» التعددية الثقافية بـ«قدسية» الإسلام الذي اعتبروه «هوية قومية» وليس دينية.

ولم نسمع بمشكلة مشابهة في جيل ابويها. فصفعة من الأب او الأم

«ايام زمان» كانت تعيد للمتمردة صوابها وتجبرها على الاعتذار علنا للناظرة والمعلمات.

فجيل الأب والأم، سواء كانوا جاءوا لبريطانيا هربا من بطش ديكتاتوريات، او طردوا على يد عيدي امين من اوغندا، او ولدوا لآباء حاربوا في صفوف الجيش البريطاني لإنقاذ الحضارة والديموقراطية من النازية والفاشية، عرفوا «هويتهم» كبريطانيين، و«دينهم» كالإسلام. ولا يعتقد عاقل ان اسلام جيل الأبوين البريطانيين الهوية، ينقص ايمانا عن اسلام جيل لا يحترم اللوائح المدرسية ولا يقدس حق الحياة بدعم الإرهاب او المشاركة فيه.

فحكومة العمال الجديدة، خلقت نظام التفرقة الثقافيةCultural Apartheid كما ان هوس اليسار البريطاني بالتصحيح السياسي Political Correctness يعكس تفرقة عنصرية في اللاوعي تعني عمليا رفض تأهيل المسلمين للاندماج كبريطانيين او تحقيرهم بمعنى

«خدوهم على قد عقلهم» فينسحب المسلمون، الى جيتو الانعزالية الثقافية. والصحافة العربية بدورها تزيد الانعزالية بترويج مفهوم

«الجاليات المسلمة في بريطانيا» بدلا من «المسلمين البريطانيين» تعميقا لـ«اجنبيتهم» وتعريف الدين (الإسلام) ـ خطأ ـ كجنسية او قومية.

وفي المقابل، تعمق سياسة التعددية الثقافية هستيريا جماعية شعور الخوف من الاجانب xenophobia خاصة لدى الشرائح الأقل حظا من التعليم، كحال معظم المسافرين على طائرة شركة مونارك من مطار ملقة والحارس عند «عين لندن».

ولذا فعلى الطالبين عسارف وزيب، والمستر حسين اثبات اندماجهم الكامل وهويتهم البريطانية عبر التمسك قانونيا بحقوق المواطنين البريطانية.

واناشد الثلاثة (وعلى استعداد للمساعدة اذا اتصلوا بي) بمقاضاة من أضر بهم والمطالبة بأقصى التعويضات. كما يجب تقديمهم لشكاوى منفصلة الى مفوضية المساواة العنصرية Commission for Racial Equality والإصرار على تحقيق علني رسمي.

وعلى اليسار البريطاني بمؤسساته ـ للمساواة ـ وصحافته (والصحافة العربية) والجمعيات الإسلامية التحرك ايجابيا والدعوة لتفعيل مقاطعة خطوط شركة Monarch الجوية، وعين لندن London Eye كمعلم سياحي حتى يتم اجراء تحقيق علني مع الحارس المسؤول وجعله عبرة لكل العنصريين.