إيران ولبنان: بين الإمام والسيد

TT

يكثر الحديث هذه الأيام عن الدور الإيراني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط عموما وفي لبنان تحديدا، والمثال المستخدم للاستدلال على كل ذلك هو العلاقة «غير العادية» الموجودة اليوم بين حزب الله وبين إيران. ولكن هناك جذورا مثيرة لعمق العلاقة بين إيران ولبنان، ففي حقبة السبعينات الميلادية من القرن الماضي، ظهرت في لبنان شخصية ذات حضور طاغ وجذاب، هذه الشخصية كانت شخصية الشيخ القادم من إيران الامام موسى الصدر، المفعم بالشباب والحيوية والنظرة الحادة واللباس الأسود المهيب. تبنى موسى الصدر قضايا الشيعة في لبنان، وأطلق ما يسمى بثورة المحرومين لتبيان نصيب طائفة الشيعة المستحق لأبناء الجنوب، بعد سنوات من إهمال الحكومات المتلاحقة لهم. وأطلق موسى الصدر منظمة أمل للعمل السياسي والعسكري خلال ظروف وأحوال لبنان المتشنجة. ومضت الأيام ومكانة الضيف الإيراني تزداد وقيمته تكبر وحضوره يتفاقم، وعلاقته طوال هذه الفترة قوية مع رموز الحراك الديني في إيران، وخصوصا أنه شخصيا ينتمي الى أسرة علم تقليدية ومعروفة. وفجأة وخلال رحلة مفاجئة لليبيا «غاب» الإمام موسى الصدر، واختفى ولم يظهر له أثر، وفيما يشبه الاسطورة الخاصة بالغياب بدأ «ظل» موسى الصدر يطغى على ساحة الطائفة الشيعية في لبنان، وأحس الكثيرون بالفراغ الذي أحدثه، وبقيت ساحة الطائفة الشيعية بدون الرمز الديني، بلا عمامة سوداء. وعليه خرج من داخل حركة أمل حزب «اسلامي» يرتدي تلك العباءة برئاسة حسين الموسوي، وكانت هذه الحركة هي التي تم فيها الخروج من العباءة السورية التي رعت حركة «أمل» الى الخيمة الإيرانية. وبات من الممكن رؤية وقراءة صور حافظ الأسد وأبنائه وشعارات حزب البعث وأقوال القائد الى صور الخميني وخامنئي وأمناء حزب الله وأقوال الخميني وغيره. وبدأت «بروفات» وبالونات اختبار تطلق لقياس مركزية وقوة الحزب على الجنوب، فاصدرت طابعا يحمل عبارة «الجمهورية الاسلامية اللبنانية» ذات يوم، ومرة أخرى كان يحتفل بعيد الثورة الإيرانية في إيران وهكذا. وكان دور السفارة الإيرانية في لبنان يتفاقم وتحيط تحركات المسؤولين فيها بالشك والريبة والقلق. والآن وفي ظل «البعد» المتعمد والمقصود من قبل حزب الله وكبار المسؤولين فيه عن محتوى كلمة الرئيس السوري الأخيرة والتي أثارت جدلا ولغطا كبيرا، يبدو أن هذا أيضا تأكيدا جديد أن «الحزب» بات يلتزم خطا أساسيا في الولاء والدعم وهو الخط الإيراني حتى ولو كان على حساب حليف قديم وهو سوريا. وحسابات إيران في لبنان غير الحسابات السورية تماما! واليوم يلعب «السيد» حسن نصر الله دورا لم يكن يحلم به أي إيراني، فهو أعطى ذريعة جديدة «للثورة» و«أهدافها». نعم حزب الله لبناني ولكن اليد الإيرانية موجوده وهي ليست دوما ذات أهداف بريئة.