بريطانيا بين الحذر والهلع

TT

بقيت بريطانيا تمارس الهدوء الأمني الأقرب إلى البرود الانجليزي منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م، ولكن هذا الهدوء انقلب إلى حالات الحذر القصوى التي تقترب من الهلع أو ما يسمى في علم النفس «البارانويا»، وقد لا تلام بريطانيا بعد هجمات العام الماضي التي قام بها أشخاص ولدوا وترعرعوا في بلد الحرية والتسامح، وقد تتحمل بريطانيا بعض اللوم لسماحها لمتطرفين كثر ولسنوات طويلة يمارسون كافة أشكال التعصب الكلامي واللفظي ويشجعون الإرهاب والإرهابيين جهارا نهارا، أحدهم خرج على التلفزيون البريطاني يقول أنه يعتبر بريطانيا حماما يقضي فيه حاجته رغم أنها آوته من بلاده التي شردته، وآخر قاد مظاهرة عارمة إلى ساحة الطرف الأغر ثم خطب بالمتظاهرين ونادى على الملكة إليزابيث «أن تُسلم تََسلم، وأن تقيم شرع الله في بريطانيا»، ومجموعة أخرى من «المهابيل» خرجوا في شارع إجوار رود الأسبوع الماضي يطالبون بإقامة الخلافة الإسلامية في بريطانيا!! و«مهبول» آخر ظهر على التلفزيون يرفض أن يتعايش مع الإنجليز الذين لجأ إلى بلادهم، ويرفض أن تصادق بناته أيا من بنات الإنجليز لأن بنات الإنجليز جميعا «عاهرات» ـ هكذا!! أبو حمزة المصري، وأبو قتاده، والسري وبكري وآخرون... أسماء غيرت اسم لندن إلى «لندنستان»، والحكومة البريطانية ترفض أن تستمع إلى وجهات النظر التي تطالب بتطبيق القانون ومنع هؤلاء من نشر فكر التطرف العنصري أسوة بالنازيين وحليقي الرؤوس ومتطرفي الحزب القومي البريطاني British National Party .

ثم جاء يوم السابع من يوليو العام الماضي، حين قامت مجموعة عبأها المتطرفون بقتل الأبرياء في عدة محطات لقطارات الأنفاق، وبدأت سياسات بريطانية تأخذ شكل ردود الأفعال، فتغيرت القوانين التي تمنح الصلاحيات للاعتقال والتسفير دون محاكمات وإن كان لمدد محدودة. وتلك إجراءات اقتربت من الهلع، وأخذت أشد أشكالها منتصف هذا الشهر، حين أعلنت حالة الطوارئ في المطارات البريطانية، وألغيت مئات الرحلات، وحولت رحلات إلى دول أخرى، وامتدت الطوابير لأيام في موسم العطلات والسياحة، وتعرضت هيئة المطارات البريطانية للنقد، وتذمر البعض، وتصبر البعض الآخر، وتم اعتقال عشرات من المشبوهين، ووجهت التهم لبعضهم، بينما أطلق سراح البعض الآخر... واستمرت حالة الهلع.

في ملقا بأسبانيا، طلب قائد طائرة من راكبين شابين مسلمين مغادرة الطائرة قبل إقلاعها، كرم وسهيل، طالبان يدرسان في مانشستر وكانا في طريقهما إلى بريطانيا بعد قضاء إجازة خاصة، وقد قالا في مقابلة مع البي.بي.سي إنهما أخرجا من الطائرة وبقيا في أسبانيا إلى اليوم الثاني لأن بعض الركاب رفض الركوب معهما في نفس الرحلة لأن شكلهما غير «مريح»!! السلطات الأسبانية لم تر سببا في احتجازهما، وبأنهما غير مطلوبين ولم يكن لديها ما يثير الشك تجاههما، قائد الطائرة تذرع بأن السلطات الأسبانية هي التي طلبت نزولهما من الطائرة... الحادثة تعكس حالة من الهلع غير مسبوقة في السلوك البريطاني المعروف بالهدوء والبرود.

في بريطانيا هذه الأيام جدل لم يتوقف منذ سنوات قليلة حول الهجرة وإجراءاتها، قال لي صديق بريطاني، إن هناك غزوا روسيا يجتاح البلاد هذه الأيام، والزائر لبريطانيا يدرك حجم الأشكال الأوروبية الشرقية واللغة السلافية (الروسية والبولندية والبلغارية والأكرانية وغيرها) التي تتردد في كل مكان، هناك أكثر من ستمائة ألف أوروبي شرقي في بريطانيا بعد انضمام دول أوروبا الشرقية للسوق الأوروبية، ويتوقع أن يصل البلاد العام القادم ثلاثمائة ألف روماني بعد انضمام بلادهم للسوق.

في بريطانيا جدل حول ضبط الهجرة دون الإخلال بمبدأ الانفتاح، وجدل حول الحرية والتسامح دون الإخلال بالأمن... ترى: هل «جنت على نفسها براقش»؟؟