عناية الخاطفين

TT

الأسبوع الماضي أفاقت النمسا لتكتشف أن ناتاشا كامبوتش، التي خطفت وهي في العاشرة قبل ثماني سنوات، استطاعت الفرار، وأن خاطفها انتحر تحت عجلات القطار. ولم يكن هذا أهم ما في المأساة بالنسبة إلي، لقد لفتني أول شيء أن ناتاشا لا تريد العودة إلى والديها المطلقين. لا إلى الأب، ولا إلى الأم، بل بالعكس شعرت بحزن لانتحار الخاطف، وبتفهم للخطف، وقد وجهت ناتاشا أمس رسالة إلى الصحافة، بحثت فيها عن كلمة عن أمها أو والدها. وكنت أعرف أنني لن أجدها.

عندما خطفت ناتاشا في عمر العاشرة كانت ستحب أي مكان آخر أكثر من منزلها، حتى الحفرة التي أخذها إليها الخاطف المريض. فالمنزل خال من العاطفة والمشاعر والحنان، التي يطلبها الطفل في هذا العمر. هذه هي مأساة أوروبا اليوم: القيم العائلية في رماد المواقد، وأركان العائلة قد سقطت، والآباء والأمهات من حضن إلى حضن من دون التفات إلى من هم في حاجة إلى حضانة. الجيل الأوروبي الجديد في معظمه عليل النفس ومشوه. ولقد أحبت ناتاشا سجنها الصغير أكثر من منزل أهلها، لأن الخاطف كان يمنحها الوقت. إنني أتساءل دائما لماذا ينجب الأوروبيون، ما دام لا شيء يلزمهم بذلك. فهم قادرون على المساكنة من دون حاجة إلى الزواج والطلاق. وقد أصبح شائعا ومعروفا ومتوقعا أن الزيجات محكومة سلفا بالفصل بعد حين. والحياة الأوروبية لم تعد تسمح بالمشاعر والعاطفة وأصول التربية. الأهل يقدمون التعليم والألبسة والطعام للأطفال، في حين أن الطفل في حاجة إلى ما هو أهم من ذلك بكثير. حتى مواليد الدببة والثعالب والضباع في الغابات تطلب من أمهاتها الحنان مع الحليب، وهذا ما لم تدركه الأم كامبوتش، لأن أولوياتها كانت مختلفة تماما: العمل الشاق وانتظار الإجازة الطويلة. ولا شيء بينهما، وعندما اختطف عامل الهاتف المريض، ناتاشا، في الطريق إلى المدرسة كانت قد خرجت من البيت متشاجرة مع أمها.

سوف تتحول قضية الفتاة النمساوية إلى واحدة من أهم الظواهر النفسانية في أوروبا. وسوف تتطلع الأمهات في النمسا بعد الآن إلى داخل المنازل وليس إلى خارجها. وعندما ذهبت ناتاشا الهاربة من خاطفها إلى الشرطة، كانت أمها تقضي إجازة الصيف. واعتقد أن الكثير من المعلومات التي وزعتها الشرطة والأطباء، الذين يعتنون بالفتاة العائدة، غير صحيح. ويخيل إلي أننا أمام حالة مرضية أخرى، مثل حالة الخاطف نفسه. فربما أن علاقة عاطفية غريبة قامت بين الخاطف والرهينة على مدى تلك السنين. والأكثر ألما في رسالة ناتاشا قولها إنها لم تفتقد شيئا ولا هي نادمة على شيء. واعتقد أنها تشير أيضا إلى والدين ضائعين في مجتمع أصبحت كل مثله الإنسانية في المخدع، وما حوله. ولا شيء سوى ذلك. إنه المجتمع الذي قدم فيه الأمير وليم إلى أمه ديانا سبنسر لوحا من الشوكولا مؤاسيا في فقدانها عشيقها، وليس والده. وقد روت الحكاية إلى الصحافي مارتن بشير في معرض التنديد بالزوج. إنه مجتمع يفضل فيه الأطفال أحيانا عناية الخاطفين.