السعودية والقضية الفلسطينية .. لماذا لا نقرأ التاريخ ثم نحكم؟

TT

تواجه المملكة العربية السعودية حملة عدائية من بعض القنوات التلفزيونية من خلال مقابلات مع بعض الأشخاص تلمح من خلال أحاديثها إلى إنكار جهود المملكة العربية السعودية عبر تاريخها في نصرة القضايا العربية ومن أبرزها قضية فلسطين مع أن هذه الجهود المستمرة معروفة للجميع أوردتها الأخبار المحلية والعالمية ووردت في تقارير المنظمات الدولية وشكر مساعيها المعنيون من رؤساء دول ووزراء مسؤولين. واتهام المملكة العربية السعودية بالتقصير أو المحاباة في مواقفها من القضايا العربية المعاصرة اتهام باطل يغمط الحق ويدفع الحقيقة، وتولى كبره صائدو الأهواء ومحبو إثارة الفتن. ومن ينكر مواقف المملكة العربية السعودية الصادقة من قضايا الأمة العربية ووقوفها إلى جانبها في ضرائها قبل سرائها كمن يدعي الغروب في وضح النهار، ويحاول بكف أضعفتها الكراهية أن يسد حقيقة كالشمس لذي عينين. وقد أثبت التاريخ أن المملكة العربية السعودية ليست ممن يرفع الأبواق ويفتح الأشداق بمراء لا يعرف الصدق، ووعود تنكرها الأمانة، حتى إذا حمي الوطيس شمر هاربا تاركا وراءه سرابه، ومخلفا خلفه حقيقة زعمه وصدق كذبه.

كيف يتجاهل هؤلاء موقف المملكة العربية السعودية تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية تأسيسها إلى اليوم الذي تعاني فيه المملكة من الضغوط والهجوم الغربي والصهيوني بسبب ذلك الموقف؟! فالمملكة العربية السعودية منذ عهد الملك عبد العزيز ارتبط موقفها تجاه القضية الفلسطينية بمبادئ محددة لم تتغير عبر العقود الماضية. ومن تلك المبادئ اهتمام المملكة بالقدس الشريف والمسجد الأقصى واعتبارها أماكن مقدسة للمسلمين وبحقوق الفلسطينيين العرب في أراضيهم والعيش بسلام. كما تميز هذا الموقف بالاستمرارية والتواصل وعدم الانقطاع منذ عهد الملك عبد العزيز الذي قام ـ رحمه الله ـ وبكل شجاعة بطرح مبادرات سلمية لحل القضية الفلسطينية في فترات عصيبة جداً.

ولم تربط المملكة على الإطلاق في أي وقت من الأوقات بين موقفها تجاه القضية الفلسطينية وبين الحصول على مكاسب سياسية أو آيديولوجية أو غيرها. واستمر الدعم السعودي الرسمي والشعبي المادي والمعنوي والسياسي للقضية الفلسطينية من دون انقطاع رغم الظروف الصعبة والضغوط السياسية. وكان من نتائج تلك المواقف أن أثرت القضية الفلسطينية وبشكل كبير في صياغة السياسة الخارجية السعودية وتوجهاتها، إلى أن أصبحت القضية في مقدمة الأوليات السعودية، سابقة بذلك الأولويات الوطنية.

إنه مما لا ريب فيه أن المملكة العربية السعودية أقامت بنيان دولتها على التوحيد، وجعلت دستورها القرآن الكريم، وأصبحت موطن الإسلام وداعية السلام، وشرفها الله بالقيام على خدمة الحرمين الشريفين خدمة تسهل على قاصدي هذين المكانين الطاهرين بحج أو عمرة أو زيارة. وهي قبلة المسلمين، وعنوان التضامن الإسلامي. ومن هذا المنطلق كانت نظرتها إلى القضية الفلسطينية ليست قائمة على اعتبارات قومية أو إنسانية فحسب، بل أساسها ديني يتمثل في ثالث الحرمين الشريفين، ومسرى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي يرتبط ارتباطا روحانيا بقرينيه المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. ومن هنا كانت المملكة العربية السعودية ترى أن أي اعتداء أو مساس بالمسجد الأقصى الشريف يعد مساسا بالمسجد بالحرام والمسجد النبوي الشريف، ومن أجل هذا كان سعيها دؤوبا من أجل تخليصه من قيود الاحتلال، وإعادته إلى المسلمين الذين هم أولى به من غيرهم.

وقد لفت نظري مقابلة تلفزيونية في إحدى القنوات العربية مع أستاذة جامعية ذكرت أنها قضت شهرين كاملين في الأرشيف البريطاني تبحث عن الموقف السعودي في عهد الملك عبد العزيز من حرب عام 1367هـ/1948م، فلم تجد ما يشير إلى مواقف إيجابية لنصرة القضية الفلسطينية.

ومن المعلوم للباحثين والدارسين ما تحفل به أرشيفات الوثائق المحلية والعربية والأجنبية سواء البريطانية أو الأمريكية أو غيرها من وثائق هي عبارة عن تقارير ورسائل متبادلة تتعلق بدور الملك عبد العزيز في دعمه ومساندته لقضية فلسطين والقضايا العربية الأخرى وكذلك عدد كبير من مصادر عربية وأجنبية من الكتب المطبوعة وكذلك الصحف المعاصرة المحلية والعربية والأجنبية توثق مواقف المملكة العربية السعودية الإيجابية ودعمها للقضايا العربية مما لا يمكن معه قبول من يشير إلى أنه بحث في الوثائق البريطانية عن مواقف إيجابية للملك عبد العزيز من القضية الفلسطينية ولم يجد ما يشير إلى هذا الدعم والمساندة.

لقد وقفت المملكة العربية السعودية وهي في طور التأسيس والنشأة بقيادة مليكها المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود موقف المؤيد والمناصر للشعب الفلسطيني ضد الاستعمار البريطاني والصهيونية العالمية. وقد جاءت القضية الفلسطينية في صلب المفاوضات التي تمت بين الملك عبد العزيز والحكومة البريطانية في اجتماعات وادي العقيق في جمادى الأولى عام 1345هـ/1926م بشأن إلغاء معاهدة القطيف، وتوقيع معاهدة جديدة يكون فيه الملك عبد العزيز الند للند للحكومة البريطانية، وقد أراد البريطانيون أن يعترف الملك عبد العزيز مقابل ذلك بمركز خاص لهم في فلسطين، وأن يعترف بوعد بلفور المضمن في صك الانتداب البريطاني، وقد رفض الملك عبد العزيز المساومة على الحقوق الثابتة للأمة العربية في فلسطين.

وبعد أن وصل إلى أسماعه ـ رحمه الله ـ إلقاء قنابل يدوية على المصلين الفلسطينيين يوم الجمعة من شهر ربيع الأول 1348هـ/1929م بادر إلى كتابة خطاب إلى ملك بريطانيا يعرب فيه عن سوء الأثر الذي أحدثه الاعتداء في نفسه وشعبه، ويناشده منع اليهود من الاعتداء على المسجد الأقصى.

ووقف الملك عبد العزيز مع الشعب الفلسطيني في ثورته في ذلك العام ضد الاحتلال رغم الأزمة الاقتصادية التي كانت تمر بها البلاد السعودية آنذاك وتؤثر فيها تأثيراً شديدا. فلقد بعث جلالته تبرعا عاجلا للفلسطينيين بلغ خمسمائة جنيه سلمت لرئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين محمد أمين الحسيني مع رسالة عاجلة من الملك عبد العزيز في 16 جماد ثاني 1348هـ الموافق 18نوفمبر 1929م جاء فيها: «قد غمنا هذا وأحزننا جدا ولم نكتم ما كان لتلك الحوادث من الأثر المؤلم في أنفسنا منذ بلغتنا وأظهرنا ذلك في وقته ومحله». وفي عهده رحمه الله شارك وفد من المملكة العربية السعودية في المؤتمر الإسلامي الأول الذي انعقد في بيت المقدس في 1350هـ/1931م في أعقاب ثورة البراق، وحضرته وفود من جميع شعوب العالم الإسلامي، وقد تمخض عنه إعلان الحق الإسلامي الكامل في البراق وحائطه وممره.

وفي عام 1354هـ/1935م بعث الملك عبد العزيز ولي عهده الأمير سعود (الملك في ما بعد) رحمه الله إلى فلسطين لتفقد أوضاع الشعب الفلسطيني عقب ثوراته المتعددة، وقال الملك سعود في أثناء الزيارة: إن أبناء الشعب الفلسطيني هم أبناؤنا وعشيرتنا، وعلينا واجب نحو قضيتهم سوف نؤديه.

* حقيقة الموقف السعودي من الإضراب الفلسطيني العام عام1355هـ/1936م

* في الخامس عشر من شهر ربيع الأول عام 1355هـ/1936م أصدر الملك عبد العزيز أمره بإرسال كميات من الأرزاق والمؤن الإغاثية إلى المتضررين والمنكوبين من أبناء الشعب الفلسطيني عقب الإضراب العام أو ما سمي بالثورة الفلسطينية الكبرى. ولم يكتف الملك بذلك بل أبرق إلى وزيره المفوض في لندن ليتصل بوزارة الخارجية البريطانية وينقل إليها انزعاج الملك وقلقه مما يحدث على الأرض الفلسطينية، مطالبا بريطانيا بأن تتدارك الموقف وتعمل على إحلال الحق والعدل لأهله الفلسطينيين. وطالب أيضا وزيره المفوض في لندن بأن يتصل بوزارة الخارجية البريطانية للإفراج عن المعتقلين السياسيين الفلسطينيين الذين اعتقلوا في الإضراب والاضطرابات، وطالب أيضا بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وقد ذكرت المصادر أن الحكومة البريطانية أرسلت إلى الملك عبد العزيز في الرابع عشر من ربيع الثاني عام 1355هـ/1936م توافق على توسط ملوك العرب وأمرائهم لإنهاء الإضراب الفلسطيني، فأبرق الملك عبد العزيز إلى المفوضية السعودية في لندن لتبلغ الحكومة البريطانية أنه يرى أولا إطلاق سراح المعتقلين والمحكوم عليهم ووقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين تمهيدا لإجراء الوساطة. وقد ردت الزعامة الفلسطينية بالترحيب بوساطة الملك عبد العزيز، وجاء ذلك ضمن رسالة بعث بها الحاج أمين الحسيني رئيس اللجنة العربية العليا بفلسطين، جاء فيها: أصدرت اللجنة العربية العليا بيانا أظهرت فيه صراحة أنها وافقت بالإجماع وبكل الارتياح على وساطة جلالتكم وهي لا تزال ترحب بهذه الوساطة وترجو مؤازرتكم.

وقد أرسل الملك عبد العزيز وزير خارجيته الأمير فيصل (الملك في ما بعد)ـ رحمه الله ـ إلى فلسطين لدعم الموقف الفلسطيني، وهناك قال: أرسلني والدي الملك عبد العزيز في مهمتي هذه إليكم ففرحت فرحتين: الفرحة الأولى كانت من أجل زيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه، أما الثانية فكانت بلقاء هؤلاء الثوار لأبشرهم بأن جهودهم لن تذهب سدى.

ومن يقرأ الموقف السعودي من الإضراب الفلسطيني عام 1355هـ/1936م يعرف جوانب التعقل والحكمة وبعد النظر فيه؛ بدليل أنه لقي الترحيب من القيادة الفلسطينية، وشارك الملكَ عبد العزيز في هذا الموقف معظم الزعماء العرب في ذلك الوقت، وهذا يدل على وجود قبول له في الوطن العربي. واستمرارا لسياسة التعقل والحكمة التي انتهجها الملك عبد العزيز، وفي الثامن من شهر شوال 1355هـ/1937م أرسل ـ رحمه الله ـ مع الوفد الفلسطيني الذي زار الرياض رسالة ضمنها نصيحته الصادقة بقوله: فقد رأينا أن المصلحة تقضي بالاتصال باللجنة الملكية والإدلاء إليها بمطالبكم العادلة، لأن ذلك أضمن لحقوقكم وأوعى لمصلحة أصدقائكم في حسن الدفاع عنكم... ونحب أن تكونوا على ثقة بأننا لا نألو جهدا في سبيل مساعدتكم لإصلاح الحال بقدر إمكاننا.

وقد رد الحاج أمين الحسيني على رسالة الملك عبد العزيز برسالة يعلمه فيها أن اللجنة العربية العليا قد قابلت اللجنة الملكية البريطانية وشرحت لها أوضاع الفلسطينيين، وقدمت إليها مطالب الشعب الفلسطيني، وهي منع الهجرة اليهودية، ومنع انتقال الأراضي العربية الفلسطينية إلى اليهود، ورفض الوطن القومي اليهودي في فلسطين. وهذا يدل على ثقة اللجنة العربية العليا بالملك عبد العزيز لما يتمتع به من مكانة عربية وإسلامية وعالمية، وصدق نصحه، وصواب رأيه، ولكونه يرى المقدسات الإسلامية قضية مركزية ثابتة لا مساومة عليها. وعند صدور مشروع تقسيم فلسطين الذي أقرته لجنة بيل قال الملك عبد العزيز مخاطبا الوزير المفوض البريطاني في جدة في الثاني عشر من شهر شوال عام 1356هـ/1937م: لا يوجد عربي صادق يوافق على التقسيم، وإذا قيل لكم: إن أفرادا في بلد عربي يوافقون على التقسيم فثقوا أن أغلبية ذلك البلد لن توافق عليه. وأمر الوزير المفوض أن ينقل لحكومته تحذيرا من أن تقوم بعمل يكون مضرا بعرب فلسطين.

وأعلن الملك عبد العزيز عن رفضه للمشروع وبذل جهوداً كبيرة على المستوى العربي و الدولي لمنع هذا المشروع. وكلف الملك عبد العزيز ابنه الأمير فيصل لتكوين لجان شعبية في أنحاء المملكة العربية السعودية لجمع التبرعات لإنقاذ فلسطين وشعبها وخاطب أمراء المناطق ليحثوا أبناء المملكة على الاحتجاج ضد قرار التقسيم. وأصبحت وزارة الخارجية السعودية بمثابة الهيئة الدبلوماسية لفلسطين تتابع المحاولات السياسية لحل القضية الفلسطينية وتتصل بالحكومات وتوضح الحقائق.

وقد وصف ونستون تشرشل الملك عبد العزيز بأنه «أصلب وأعند حليف لنا يعارضنا بالنسبة للقضية الفلسطينية». وقال الملك عبد العزيز مخاطبا الساسة البريطانيين: أنا لا أستطيع أن أنصح العرب والفلسطينيين بأن يكونوا هادئين بعد هذا كله. وفي اجتماع تم بين الملك عبد العزيز واللورد بلهافين وستنتون، والسير ريدر بولارد في الثالث عشر من ذي القعدة سنة 1356هـ/1938م قال الملك عبد العزيز: إن مشروع تقسيم فلسطين يحسب بحق نكبة عظيمة على العرب والمسلمين، ولذلك يجب أن يصرف عنه النظر بتاتا وأن يسار إلى خطة أخرى.

وفي ما يتعلق بالهجرة اليهودية وجهود الملك عبد العزيز في مكافحتها فإن القلق الذي أحدثته الهجرة اليهودية إلى فلسطين والمواقف الصلبة التي اتخذها لوقف هذه الهجرة جعلت بن غوريون الزعيم الصهيوني يعرض على سينت جون فلبي عام 1355هـ/1937م اقتراحا لعرضه على الملك عبد العزيز مفاده إنهاء حكم الانتداب البريطاني على فلسطين وإقامة وحدة بين فلسطين وشرقي الأردن والمملكة العربية السعودية شريطة أن تفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين وشرقي الأردن، لكن الملك عبد العزيز رفض هذا المقترح رفضا قاطعا.

ويروي فلبي في كتابه اليوبيل العربي أنه في عام 1358هـ/1939م قابل الزعيم الصهيوني الدكتور حاييم وايزمن الذي طلب مساعدته في توسط فلبي لدى الملك عبد العزيز أن تعطى فلسطين لليهود وأن يجلى العرب منها ويوطنوا في مكان آخر ويضع اليهود مقابل ذلك عشرين مليون جنيه إسترليني تحت تصرف الملك ابن سعود لهذه الغاية (وللقارئ الكريم أن يتصور هذا الرقم المالي في عام 1358هـ/1939م والظروف المالية التي تمر بها المملكة العربية السعودية آنذاك).

وحين وصل إلى الرياض في يوليو من عام 1362هـ/1943م المستر هاري هوسكنز، مندوب الرئيس روزفلت الشخصي، يحمل للملك عبد العزيز رسالة شفوية تضمن رد الملك عبد العزيز على رسالة الرئيس الأمريكي موضوع وساطة فلبي بقوله لهوسكنز: أبلغتموني سعادتكم تفضل فخامة الرئيس روزفلت بسؤاله عن رأينا ورأي العرب، في مشكلة فلسطين التي زادت أهميتها في اِلأشهر الأخيرة. ونحن إذ نشكر لفخامته هذا الاعتناء المهم، وإيفاده مندوبا لبقا مثل سعادتكم، للاستفسار عن رأينا في قضية فلسطين، نذكر لفخامته أن رأينا في هذه القضية لم يتغير. وقد ذكرناه لفخامته، بكل وضوح، في كتابينا اللذين أرسلناهما إلى فخامته بتاريخ 22 ذي القعدة 1362هـ الموافق 19 نوفمبر (1938) وتاريخ 24 ربيع ثاني 1362هـ الموافق 30 أبريل 1943م، وكل ما نريد في الأمر هو أن لا يهضم حق العرب الصريح الذي هو مثل الشمس، بمغالطات تاريخية ونظريات اجتماعية واقتصادية من قبل اليهود الصهيونيين. ثم إننا نؤيد كل ما أتينا به في كتابينا المشار إليهما. ونرجو كذلك ألا تقترن أعمال من يريد العدل ونصرة الإنسانية ـ التي لا نشك بأن أميركا لم تدخل هذه الحرب الضروس إلا لتأييدها ـ بعمل غير إنساني، يقضي على حقوق العرب في فلسطين، لعدم الوقوف على الحقيقة. فتكون بذلك مأساة وضربة للعرب لم يأت التاريخ بمثلها. ونحن إذ تسرنا الوعود الكريمة بالنظر في هذه القضية، بوجه الحق والإنصاف، بعد اندحار المحور، فيمكننا أن نرجو من فخامته تطبيق أحكام الكتاب الأبيض على الأقل في مدة هذه الحرب. لأن في عدم تطبيق أحكامه، وعدم وقف الهجرة التي تجاوزت الحد المعين، خرقا كبيراً لحرمة العهود والمواثيق. وإن ذلك في صالح اليهود وضد العرب بصورة لا تقبل الشك والتأويل. أما دخولي في مذكرات لحل قضية فلسطين بصورة علمية، غير إبداء الرأي والنصائح، فذلك غير ممكن، ولا أستطيع أن أعمل أي عمل إلا بعد استطلاع أفكار ذوي العلاقة الذين في أيديهم الحل والعقد في هذه القضية. وبذلك يمكن توجيه الآراء لحل المشكلات، على ضوء هذه الأفكار. فإذا رأى فخامته أن نقوم بمراجعة العرب، للاستفسار عن آرائهم، فنحن نقوم بذلك إن شاء الله. وأما ما ذكر فخامته، من جهة مقابلتي للدكتور حاييم وايزمن، فأحب أن يعلم فخامة الرئيس بأننا نقابل كل من يأتي إلينا، من جميع الأديان، بكل ترحاب. مع القيام بالواجب لهم حسبما يقتضيه مقامهم من الإكرام. أما اليهود بصورة خاصة فلا يخفى على فخامته ما بيننا وبينهم من عداوة سابقة ولاحقة. وهي معلومة ومذكورة في كتبنا التي بين أيدينا، ومتأصلة من أول الزمان. فمن هذا يظهر جلياً أننا لا نأمن غدر اليهود، ولا يمكننا البحث معهم أو الوثوق بوعودهم، أولاً: لأننا نعرف نواياهم نحو العرب والمسلمين، وثانياً: لأننا لم نتصل بالعرب لنعرف رأيهم. وكما ذكرنا فيما تقدم إذا رغب فخامته أن نقوم باستمزاجهم واستطلاع رأيهم، فنحن نقوم بتحقيق تلك الرغبة حينئذ. أما الشخص الذي هو الدكتور وايزمن. فهذا الشخص، بيني وبينه عداوة خاصة. وذلك لما قام به نحو شخصي من جرأة مجرمة بتوجيهه إلي، من دون جميع العرب والإسلام، تكليفاً دنيئاً، لأكون خائناً لديني وبلادي، الأمر الذي يزيد البغض له ولمن ينتسب إليه. وهذا التكليف قد حدث في أول سنة من هذه الحرب. إذ أرسل إلي شخصاً أوربياً معروفاً يطلب مني أن أترك مسألة فلسطين وتأييد حقوق العرب والمسلمين فيها، ويسلم إلي عشرين مليون جنيه مقابل ذلك. وأن يكون هذا المبلغ مكفولاً من طرف فخامة الرئيس روزفلت نفسه. فهل من جرأة أو دناءة أكبر من هذه؟ وهل من جريمة أكبر من هذه الجريمة يتجرأ عليها هذا الشخص بمثل هذا التكليف ويجعل فخامة الرئيس كفيلاً لمثل هذا العمل الوضيع. إني لا أشك بأن فخامة الرئيس روزفلت لا يقبل هذا، لا في حقي ولا في حقه. فهذه من جملة الأسباب التي أريد أن تعرضوها على فخامة الرئيس، حتى يرى إلى أي حد يتجرأ اليهود للوصول إلى غاياتهم الباطلة، وينظر برأيه السديد في هذه الأعمال التي يغني بيانها عن وصفها.

وعندما طرحت عليه إحدى اللجان البريطانية الأمريكية طلبا بأن يرضى باستمرار الهجرة اليهودية بمعدل ألف وخمس مئة شخص في الشهر الواحد، فكان رده رحمه الله عنيفا حين قال: الموت خير لنا من قبول الهجرة، وكل جهادنا هو لئلا يهاجر اليهود إلى فلسطين، ولا يمتلكوا أرضها. ونشر الملك عبد العزيز بعد هذا بيانا قويا عبر فيه عن استعداده لتقديم أعظم التضحيات دفاعا عن قدسية فلسطين وعروبتها، وركز البيان على وقف الهجرة اليهودية.

وقد ركز الملك عبد العزيز رحمه الله على موضوع الهجرة اليهودية عند اجتماعه بكل من روزفلت، الرئيس الأمريكي، وتشرشل، رئيس الوزراء البريطاني، معتقدا أن استمرار الهجرة اليهودية سيخلق وضعا جديدا في فلسطين تكون نتائجه سيئة عليهم وممهدة لقيام دولة يهودية على التراب الفلسطيني. وقال الملك عبد العزيز لتشرشل عندما رفض طلب وقف الهجرة اليهودية: على بريطانيا والحلفاء أن يختاروا أحد أمرين: إما صداقة العرب أو مقاومة عربية حتى الموت. وعندما طلب منه تشرشل المساعدة في كبح جماح العرب الفلسطينيين المتطرفين ـ كما وصفهم ـ لكي يقبلوا بتسوية مع الصهاينة، أجاب الملك رحمه الله بقوله: لا أستطيع أن أخون ضميري وشرفي كمسلم بقبول تسوية مع الصهيونية.

وخلال ذلك التاريخ كلف الملك عبد العزيز ممثله، خالد القرقني، شراء أسلحة للفلسطينيين وإرسالها إليهم رغم الظروف السياسية والاقتصادية آنذاك، وكان مما ورد في رسالته الموجه إلى وزير ماليته عبد الله السليمان بتاريخ 6/7/1358هـ الموافق 21/8/1939م ونصها «... ابن سليمان... الطائف.... خالد أمضى الاتفاقية الخاصة بالسلاح الذي كان أهل فلسطين اشتروه من ألمانيا ومقداره (ألف بندقية) ومليون خرطوشة وخمسين رشاشا مقابل تعهدنا بأن ندفع قيمتها عبارة عن تسعة آلاف وخمسمائة جنيه استرليني فيها سبعة آلاف كان سلمها أهل فلسطين للشركة ونحن الآن سندفعها لأهل فلسطين والباقي وهو ألفان وخمسمائة ستدفعوها للشركة البائعة فاستعدوا وبالمبلغ المذكور حتى إذا جاءنا علم شحنها كان المبلغ حاضرا وأرسلتموه إلى الجهتين. عبد العزيز».

ولقد عبر عدد من زعماء الصهيونية عن شعورهم بتأثير السياسة السعودية ونجاحها في دعم القضية الفلسطينية. فها هو دافيد بن غوريون يكتب لزوجته رسالة في عام 1358هـ/1939م ويقول فيها: «إن ابن سعود يعارض قيام دولة يهودية، ففلسطين بلد عربي وهو لا يستطيع أن يرى شعبا يحتل قطعة أرض عربية».

وقد استمر الملك عبد العزيز يبذل قصارى جهده من خلال الطرق الأكثر نفعا وفائدة، مع تأييده الكامل لحق الشعب الفلسطيني في المقاومة، ومما قاله رحمه الله: أما الحقيقة الواقعة فإن أهل فلسطين بعد أن رأوا من الحكومة البريطانية إصرارها على تقسيم بلادهم، ثم ما آلت إليه الحالة من الإجراءات الأخيرة اعتقدوا أن الحكومة البريطانية تريد إفناءهم عن آخرهم، لتحل اليهود محلهم في بلادهم، وهم بعد هذا الاعتقاد لم يتركوا بابا للمقاومة إلا طرقوه، ولا سبيلا لنيل المساعدات إلا سلكوه.

وعندما عقد مؤتمر فلسطين بلندن أو ما يسمى بمؤتمر المائدة المستديرة في عام 1358هـ/ 1939م شارك الأمير فيصل بن عبد العزيز ممثلاً للمملكة العربية السعودية، ووجه الملك عبد العزيز وزير ماليته عبد الله السليمان بتحمل نفقات سفر الوفد الفلسطيني إلى لندن وتسهيل مهمته، ووقفت المملكة خلال ذلك المؤتمر موقفا مشرفا أزعج الإنجليز واليهود الصهاينة الذين واجهوا مواقف صلبة من الجانب السعودي. ونتيجة لتلك الجهود المضنية في ذلك المؤتمر تفاءل الأمير فيصل في رسالة وجهها إلى أمين الريحاني وسموه لا يزال في لندن في محرم 1358هـ الموافق مارس 1939م قائلاً:« تروننا نواصل الليل بالنهار لإقناع الإنكليز بعدالة ومطالب العرب... وقد توفقنا حتى الآن إلى زحزحتهم عن موقفهم السلبي وحصلنا منهم على أسس جديدة متعلقة بالاستقلال). ولأن المملكة العربية السعودية تحرص على إيضاح الحقائق تجاه مواقفها فلقد أمر الأمير فيصل بطباعة مداولات ذلك المؤتمر ونشر في عام 1359هـ/1940م متضمنا المواقف العربية والإنجليزية واليهودية التي اتخذت في ذلك المؤتمر لإعلان حقيقة ما دار وتفنيدا لما أثير من مغالطات.

وأعلن الملك عبد العزيز عن موقفه الصريح في رسالة موجهة إلى أمين الريحاني في عام 1358هـ/1939م قائلا: «يجب أن تكونوا على ثقة بأننا لن نقصر في جهد من الجهود الممكنة من أجل فلسطين، ولم يحن الوقت بعد لأن ننشر كل أعمالنا، ولن يكون موقف الابن فيصل في لندن إلا فوق موقف كل إنسان آخر في الدفاع عن مطالب فلسطين». وأضاف الملك عبد العزيز في تلك الرسالة مزيدا من الدعم والتشجيع لجهود الريحاني في أمريكا بشأن القضية الفلسطينية قائلا: «وإننا نأمل في أن تساعد محاضراتكم في أميركا عن فلسطين في تنوير الرأي العام الأمريكي ليخفف تأثير خداع اليهود في تلك البلاد العظيمة الشاسعة». ونتيجة لمواقف المملكة العربية السعودية الداعمة للقضية الفلسطينية حاول الملك عبد العزيز توسيع دائرة الاتصال بدول أوروبية أخرى تقدم العون والمساندة للقضية. ويذكر شرودر في دراسة له عن موازين القوى بين دول المحور والعالم العربي أن الملك عبد العزيز اتصل بألمانيا بعد أن يئس من بريطانيا التي لم تغير من مواقفها الداعمة لليهود. ويقول شرودر أن الملك عبد العزيز أثبت بذلك أنه لم يكن أداة طيعة في أيدي البريطانيين بل كان يهدف إلى تحصين بلاده للدفاع عن نفسها أمام التهديدات البريطانية لها. ولا شك أن اتصالات المملكة العربية السعودية الخارجية كانت تتأثر برغبة السعوديين في دعم الفلسطينيين والحصول على أسلحة لهم مهما كان الأمر لمواجهة أعدائهم.

وفي عام 1362هـ/ 1943م أسست المملكة العربية السعودية قنصلية عامة لها في مدينة القدس بفلسطين لتسهيل الاتصالات مع الشعب الفلسطيني وتيسير الدعم لقضيته العادلة.

والمطلع على المراسلات التاريخية بين الملك عبد العزيز ورئيسي الولايات المتحدة الأمريكية فرانكلين روزفلت وهاري ترومان وملك بريطانيا جورج الخامس ورئيسي الوزراء البريطانيين نيفيل تشامبرلين وونستون تشرشل، تتضح لديه قوة الموقف السعودي وصلابته مع تلك الدول الكبرى لدعم الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية. وتعد الرسالة الأولى الموجهة من الملك عبد العزيز الى روزفلت من المصادر المهمة لشرح تاريخ فلسطين ودحض المزاعم اليهودية في الأراضي العربية. كما أن تلك الرسالة تعد أكثر رسالة عربية جرأة وصراحة تحدثت عن الحق الفلسطيني بكل شمولية وعدل ولا يوجد لها مثيل في المواقف العربية الأخرى في ذلك الوقت المبكر.

ويعد اللقاء التاريخي الذي جمع بين الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، ثم برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل في عام 1364هـ/1945م من المحطات التاريخية المهمة في الموقف السعودي تجاه القضية الفلسطينية. ويكفي أن مثل هذا الموقف جعل الرئيس الأمريكي يعلن عدم اتخاذه قرارا لا يأخذ في الاعتبار الجانبين العربي والإسرائيلي.

واستثمر الملك عبد العزيز أبرز وسائل الإعلام الغربية بشكل عام والأمريكية بشكل خاص مثل مجلة «لايف» الأمريكية للوصول إلى الرأي العام العالمي بصفة عامة والرأي العام الأمريكي بصفة خاصة وإيضاح حقيقة الموقف الفلسطيني والظلم الذي يمارسه العدوان الإسرائيلي في فلسطين بدلا من إيضاح أحوال الدولة السعودية الجديدة. وكانت تلك الجهود مؤثرة وقوية حيث أثارت تلك التصريحات التي أدلى بها الملك عبد العزيز لمراسل مجلة «لايف» ونشرت في عام 1365هـ/1946م حفيظة اليهود، مما حدا برئيس المجلس اليهودي الأمريكي الرد عليها في عدد آخر من المجلة ذاتها مما يدل على نجاح الملك عبد العزيز في الوصول إلى قاعدة عريضة من الرأي العام الأمريكي. وتنوعت وسائل الاتصال بالعالم الغربي لشرح الموقف العربي من خلال الجهود السعودية في تلك الفترة المبكرة التي لا تقارن فيها إمكانات الدولة السعودية الإعلامية بالدول العربية الأخرى.

وفي عام 1366هـ/1947م تقدمت المملكة العربية السعودية من خلال مفوضيتها في واشنطن بمذكرة إلى سكرتير هيئة الأمم المتحدة لكي تدرج في جدول أعمالها في الدورة القادمة، طلب الحكومة السعودية تحقيق إنهاء الانتداب على فلسطين والاعتراف باستقلال فلسطين. وعندما اشتدت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية عند اقتراب انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، أصدر الملك عبد العزيز في عام 1366هـ/1947م أوامره إلى فتح باب التطوع من سن العشرين إلى الخمسين وجعل مقر التجمع في الجوف، وهب السعوديون إلى التجمع في الجوف تحت أمرة الأمير محمد بن أحمد السديري استعداداً لمساعدة إخوانهم الفلسطينيين. كما قامت المملكة العربية السعودية بشراء الأسلحة وتسليمها للفلسطينيين ، وفي الوقت نفسه أمر بجمع التبرعات لإسعاف المجاهدين في فلسطين، فقد أصدر أمره الكريم إلى نائبه في الحجاز الأمير فيصل بتشكيل لجان شعبية في مدن البلاد وقراها تعرف باسم لجان فلسطين لجمع التبرعات النقدية والعينية لمساعدة أبناء فلسطين.

يقول خير الدين الزركلي: «... ابتدأ التبرع بخمسة آلاف جنيه من سيدات القصر في الرياض، وتبرع تاجران من أهل جدة كل منهما بخمسة وعشرين ألف جنيه وتاجر ثالث بعشرة آلاف وعملت الأريحيات عملها في سائر أقاليم المملكة...».

* حقيقة الموقف السعودي من حرب عام 1948م

* كان الملك عبد العزيز يرى أن يزود العرب الفلسطينيين بكل ما يلزمهم في معركتهم ضد اليهود في فلسطين، من دون أن تتدخل الدول العربية مباشرة في هذه الحرب، لأنه ليس لليهود كيان دولة، وحروبهم ضد الفلسطينيين قائمة أساسا على حرب العصابات. فكان الملك عبد العزيز يرى أن تبقى الأمور الحربية في فلسطين بأيدي أهلها، حتى لا يعطي العرب مجالا لتدخل أجنبي إلى جانب اليهود أو لتدخل دولي لصالحهم. وكان الملك يميل إلى تشكيل جماعات فلسطينية تحارب اليهود حرب عصابات كما هو حال قتالهم ضد العرب الفلسطينيين، وكان الملك عبد العزيز يركز على مسألة مهمة وهي أن الدول العربية دول أعضاء في هيئة الأمم المتحدة، وأن دخولها أرض فلسطين لتحارب اليهود فيها إلى جانب الفلسطينيين العرب سيجر موقفا دوليا ضدهم، وأن هذا الموقف الدولي الممثل في قرارات هيئة الأمم المحابية لليهود سيجبر الدول العربية على الانصياع لتلك القرارات، ومن ثم الانسحاب من المعركة بأمر دولي دون أن تكون قد حققت نصرا أكيداً على اليهود.

وقد أثبتت التجربة الفعلية لدخول الدول العربية بشكل مباشر في الحرب صحة موقف الملك عبد العزيز من هذه المسألة، فخرج العرب من هذه الحرب بهزيمة كبيرة على الرغم من كل الاعتبارات المحيطة بالقضية من جانبيها العسكري والسياسي والعملي والتنسيقي والتكتيكي أمام العالم، وفي اعتقادي أن هذا الفشل أصبح مقدمة لفشل لاحق، وبخاصة أن عالمنا العربي لم يستفد من تجربة حرب فلسطين عام 1367هـ/1948م. وقد أورد أحمد عبد الغفور عطار موقف الملك عبد العزيز من هذه القضية المطروحة، وهي أن ينفرد أهل فلسطين بالدفاع عنها فيقول: «رأي الملك عبد العزيز الذي عرف عنه وسمعناه منه غير مرة: أن ينفرد أهل فلسطين بالدفاع عنها، وألا يشترك العرب رسميا في الحرب، بل تقوم الدول العربية بمساعدة أهل فلسطين بالسلاح والمال والرجال المتطوعين». ويستطرد العطار قائلاً: «رأى عبد العزيز أن تقوم حكومة فلسطينية بمجرد ترك الإنجليز للسلطة في الوقت الذي حددوه» .

وبضغوط من الدول العربية قرر الملك عبد العزيز اشتراك الجيش السعودي الرسمي مع جيوش الدول العربية في حرب فلسطين عام 1367هـ/1948م، رغم عدم قناعته بفائدة ذلك، مقابل دعم الفلسطينيين للمواجهة، وجاء قراره ذلك من أجل وحدة الصف العربي.

ولسنا هنا بصدد الحديث عن التطورات العسكرية لحرب عام 1367هـ/1948م ولا بصدد التفصيلات في ميادينها القتالية أو هدنها المتعددة الواحدة تلو الأخرى ولا تفصيلات الهدنة الدائمة في رودس وشروطها مع الدول التي وقعتها وعدم موافقة المملكة العربية السعودية على الدخول في مفاوضات هذه الهدنة الدائمة، ولكن لنشير إلى أن من أهم ما نتج عن هذه الحرب هو نزوح نحو مليون لاجئ فلسطيني عن ديارهم وقد لجأوا إلى المناطق المتبقية من فلسطين، أو ما يعرف بالضفة الغربية التي ضمت إلى الأردن عام 1369هـ/1950م، وقطاع غزة الذي وضع تحت الإدارة المصرية. كما لجأوا إلى البلاد العربية المجاورة. وأقام أكثرهم في المخيمات يعيشون على العون والمساعدات التي تقدمها لهم وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين.

كانت المأساة الفلسطينية مؤلمة حقاً، وأصبح الفلسطينيون بحاجة ماسة للدعم المادي والمعنوي والسياسي، فهبت المملكة العربية السعودية لمساعدة الفلسطينيين المشردين والمنكوبين، عن طريق دعم الدولة، وعن طريق الدعم الشعبي؛ لأن الشعب السعودي تألم كثيراً لنكبة الفلسطينيين، فتبرعوا بأموالهم لعون إخوانهم وافتتح الأمير فيصل بن عبد العزيز باب التبرعات في مدينة الطائف، فقدم مبلغاً قدره خمسون ألف ريال سعودي، وقدم الأمير منصور بن عبد العزيز خمسة وعشرين ألف ريال سعودي، وتوالت التبرعات خلال الحملات التي خصصت لهذا الغرض من الأمراء والتجار والمواطنين رجالاً ونساءً من جميع أنحاء المملكة العربية السعودية مما خفف من معاناة المنكوبين وساعد اللجان الشعبية على تسهيل مهامها لمساعدة المنكوبين، كما فتحت المملكة العربية السعودية أبوابها لعدد كبير من الفلسطينيين للعمل فيها من خلال المشروعات الرامية لمساعدة الفلسطينيين وتحسين أحوالهم. وقد استمر الدعم السعودي متواصلاً للقضية الفلسطينية على حقب مراحلها سياسياً وإعلامياً واقتصادياً.

كما أود أن أشير إلى أن هذه المعلومات الموثقة وغيرها من مواقف الملك عبد العزيز وجهوده ومساعيه تجاه القضية الفلسطينية يمكن الحصول عليها، بالإضافة إلى المصادر المطبوعة باللغة العربية واللغات الأخرى وكذلك الوثائق المحلية والعربية، بالرجوع إلى دور الوثائق التي تتضمن آلاف الوثائق عن هذا الموضوع من خلال:

ـ وثائق مكتب السجلات العامة في لندن (P.R.O) Public Records Office

ـ وثائق وزارة الخارجية البريطانية (F.O) Foreign Office

ـ وثائق مكتب سجلات حكومة الهند (I.O.R.) India Office Records

ـ الأرشيف الوطني للولايات المتحدة الأمريكية (N.A.U.S.A.) National Archives of the United States of America

* الأمين العام المساعد لدارة الملك عبد العزيز في السعودية