غوته.. والجدول الذي تحول إلى نهر

TT

رغم مرور نحو قرنين على رحيل الشاعر والمؤلف المسرحي والروائي الألماني يوهان فولفجانج غوته صاحب القول الشهير «إذا كنت لا ترى إلا ما تبصره العين، ولا تسمع إلا ما تنقله الأذن، فأنت في الحقيقة لا ترى ولا تسمع»، فإن الجدل حول اعتناقه للإسلام لا يزال يتجدد بين حين وآخر، وقد عرض خالد المحاميد في مقال سابق له بعض وجهات النظر المتباينة حول إسلام غوته، والحقيقة أن أفكار غوته حول الإسلام والقرآن وشخصية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يمكن أن تجعل من الصعب على رجل بلغ كل هذه القناعات أن لا يكون قد اعتنق الإسلام، فهو الذي يقول عن القرآن الكريم: «إن أسلوب القرآن محكم سام مثير للدهشة، فالقرآن كتاب الكتب، وإني أعتقد هذا كما يعتقده كل مسلم. وأنا كلما قرأت القرآن شعرت أن روحي تهتز داخل جسمي»، ويقول عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «بحثت في التاريخ عن مثل أعلى للإنسان فوجدته في النبي العربي محمد»، وكان يعظم القرآن حتى أنه رأى ذات مرة ريشة طاووس بين صفحات القرآن فقال: «مرحبا بك في المكان المقدس، أغلى كنز في الأرض»، وقد عرف عنه أنه احتفل بليلة القدر، كما شوهد يؤدي صلاة الجمعة مع عدد من الجنود الروس، فضلا عن اعتكافه في العشر الأواخر من رمضان، وهو الذي يقول: «يا لحماقة البشر عندما يصر كل منهم على رأيه، إذا كان الإسلام معناه أن نسلم أمرنا لله، فعلى الإسلام نعيش ونموت كلنا».

ويستعرض صالح سلامة في مقاله «هل مات غوته مسلما» بعض وجهات النظر حول إسلام غوته موردا رأي إحدى الجماعات الإسلامية الألمانية «مجموعة فايمر» التي ترى بأن غوته قد اعتنق الإسلام، وذلك من خلال تحليل تراثه الأدبي الذي تبرز فيه بجلاء فكرته عن التوحيد، وتأكيده على دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ووصفه لها بأنها كنهر بدأ كجدول صغير ثم تدرج حجمه ليتحول إلى نهر كبير يحمل في طياته تعاليم جديدة للبشرية جمعاء. لكن هناك من الغربيين من يرفض هذا الاستنتاج، ومن هؤلاء البروفسورة آنا ماري شيمل التي ترى بأن القول بإسلام غوته مبالغ فيه، وأن ما كتبه غوته لا يعني بالضرورة أنه قد اعتنق الإسلام.

ويروي القس الدنماركي هانس ميله هافن أن غوته كان يردد قبل موته عبارة: «مزيدا من النور، مزيدا من النور»، فهل كان ما أبصره ذلك الرجل وهو يودع الحياة نور اليقين الذي ظل يبحث عنه طويلا حتى اهتدى إلى حقيقة التوحيد ومعجزة القرآن الكريم وعظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟

[email protected]