واختفت صناعة النكت المحترمة!

TT

في مؤسسة «أخبار اليوم» كنا نعرف «مجلس النكت».. يلتقي الصحافيان الكبيران مصطفى أمين وعلي أمين مع اثنين من رسامي الكاريكاتير كل يوم: عبد المنعم رخا والرسام الأرمني اسكندر صاروخان.

ويبقى المجلس ساعة أو ساعتين. الهدف منه وضع أفكار الرسومات الكاريكاتورية في «أخبار اليوم» و«الأخبار».. ويبدأ المجلس يذكر الأخبار الغريبة التي تستحق السخرية.. ويعرض علي أمين الفكرة ويرد مصطفى أمين بالتعليق الساخر.. أو يعرض رخا أو صاروخان.

وكثيرا ما فتحت الباب لكي اعرف شيئا فأجدهم جالسين في حيرة وفي هم وغم لأن تأليف النكتة عمل جاد.. إذ كيف نبني النكتة على التناقض والمفارقات والمبالغات.. واللامنطق.

وقد جربت هذا الموقف في المجلات التي رأست تحريرها ووجدته عملا شاقا.. والمشكلة هنا ليست مشكلة رسام الكاريكاتير، وإنما المشكلة هي «فكرة» الموقف..لا بد من فكرة يعبر عنها الرسام.

بعض رسامي الكاريكاتير عندهم القدرة على الإبداع وكان يتصدرهم جميعا الشاعر ورسام الكاريكاتير صلاح جاهين. وكان حالة فريدة في الرسم والضحك، كما كان فريدا في قصائده الشعبية الرائعة. ثم ظهر ثنائي (دويتو) بديع هما الكاتب الساخر احمد رجب ورسام الكاريكاتير البارع مصطفى حسين. ومضى علينا زمان لا نعرف إلا أن مصطفى حسين هو المفكر وهو الرسام. واختلف الاثنان، وكان لا بد أن يظهر الكاريكاتير وفوقه أو تحته هذه العبارة: فكرة احمد رجب. واختلفا مرة أخرى. وفقد مصطفى حسين المفكر الذكي اللاذع احمد رجب.

وظهر في الصحافة المصرية من يبيع أفكاره للرسامين، أي يظهر الرسام ويختفي وراء مجهول ابن نكتة، لأنه وحده غير قادر على الإبداع. وضعف مستوى الكاريكاتير وظهرت نوعية من الكاريكاتير اللغوي ـ أي التلاعب بالكلمات، وهو ما يسمى بالقافية أو القفشة، وهو بلا شك دون رسومات صلاح جاهين ومصطفى حسين واحمد رجب. وباختفاء مصطفى أمين وعلي أمين ورخا وصاروخان اختفت مصانع النكت والمنتجات الجماعية للنكتة السياسية والاجتماعية.

واختفت صحافة الإثارة المحترمة، وتركت مكانا واسما للصحافة الصفراء التي لا تحترم القارئ ولا يحترمها!