أحرج مرحلة

TT

لا أدري ما هي المرحلة التي يعتبرها الناس أزعج مرحلة في حياتهم. هناك من يقول إنها مرحلة المراهقة. ويقول آخرون بل هي مرحلة الامتحانات. وغيرهم يقول انها مرحلة الشيخوخة قبل اكتشاف الفياغرا. كل هذه المراحل بالنسبة لي برد وسلام عندما اقارنها بأيام البلوغ. اتذكرها دائما بكثير من الذعر والقرف. اصبحت خلالها نهبا بين القريب والغريب، الرجال والنساء. اجلس مع النساء فيعيرني الرجال ويقولون: «بنوته! يقعد بين الحريم!»، اجلس بين الرجال فيصرخون بي «اخرج! هذا مومكان الأطفال. ما عندك حياء؟».

ولكن والدي غض النظر وتركني أجلس، فطربت للحديث الدائر بينهم، حتى جاء دور عمي ناجي فانطلق ينشد شيئا من خمريات أبي نوآس. وبدأ ضيف آخر يروي حكاية سليطة من الأبشهي. فقاطعه والدي ثم التفت الي وقال: «ابني خالد روح للحريم. شوف يمكن عندهم كعك». الحليم تكفيه الإشارة فخرجت.

وعلى باب غرفة الحريم وقفت مترددا. أأدخل أم لا أدخل؟ أخيرا نادت والدتي من الداخل: «اش بيك واقف مثل الصنم؟ ما تدخل». وأضافت اختي الكبرى: «ها الولد دائما يستحي. شلون راح يكبر ويعيش ما ادري. يا الله ادخل وخلصنا».

ودخلت، ولكن دخولي كان اشبه بكلب ميت سقط في وسط الحفل. بين التكبير والاستغفار، هرعت النسوة كمن مسهن الجن. هذه تلتف بعباءتها واخرى تغطي صدرها بالصينية وثالثة تلف نفسها بالجريدة. «الله اكبر يا ام احسان! حرام عليكم تخششون رجّال علينا، واحنا نسوان محجبات ونخاف ربنا!»، وانبرت اختي للمحاججة: شنو هالكلام عيني؟ ولد طفل! سويتوه رجّال؟»،

«إش طفل! ما تشوفين هالشعرايات نابتة على شفته!»،

«أي شعرايات يا علوية؟ هو هذا شعر لو زغب؟!»،

وقفت امامهم كالمتهم في قفص الاتهام في جريمة اغتصاب، يستمع الى مطالعات الادعاء العام، وانا بدشداشتي حافي القدمين، حاسر الرأس، ادور بعيني نحو العلوية لآسمعها تقول: «يا بنات الحلال، شوفوا حب الشباب على خده، إش يعني هذا؟ انت قولي يا أم احسان». ادور بوجهي نحو والدتي لأسمع دفاعها «عيني، الأم اعرف بابنها. وهذا مو حب شباب. هذا حرارة». انطلقت أخرى لتقول «هذا عندكم حرارة. لكن بالجندية ما يقولون حرارة. اول ما يشوفه الضابط يكتب دفتره ويلبس الجزمة ويسويه جندي».

فجأة انفجر النقاش بالتركية «حرام! بو بلوغه اولشمش». وردت عليها جدتي، «عيني بوهاله جوجو قدر.. جوجو قدر!» يفاش! يفاش، انبرت خالتي فهيمة تترجم لخالتي ام بهية التي كانت ضعيفة بلغة الأتراك. ولكن جارتنا أم محمد صرخت بها «الله! الله! دن قورخ!»

وقفت مثل الأرمني في عزاء الحسين. وفي حمأة النقاش، سحبتني اختي ودفعتني خارجا، «روح على ابوك! كلما تجي هنا تسوي مشكلة. انت وشواربك!».