رعاية للمتفوقين أو الموهوبين

TT

بينما كنت اتابع فعاليات مؤتمر «رعاية الموهبة» العالمي، الذي استضافته السعودية على مدار ثلاثة أيام، وانتهى الاربعاء الماضي، كنت اتذكر حادثة طريفة حدثت أواسط شهر اغسطس الماضي. ويفيد الخبر بأن مجموعة تضم 17 طالباً مصرياً من جامعة المنصورة شمال القاهرة، وصلت الى مطار جون كنيدي الدولي يوم 29 يوليو الماضي، للبقاء لمدة شهر دراسي في برنامج تابع لولاية مونتانا، وفي 31 يوليو، وصل ستة طلاب فقط الى الجامعة، بينما هرب الباقون.

واستطاعت السلطات الاميركية القبض على غالبيتهم واعادة ترحيلهم الى مصر، فيما ما زال بعضهم هارباً. لا أريد أن أكون سوداوياً لدرجة أن ادعو أن ينجح هؤلاء الطلاب المميزون في البقاء هاربين، لأن بقاءهم في أميركا افضل طريقة لرعاية مواهبهم الدراسية، بدلاً من العودة للبلاد العربية.

بالعودة للمؤتمر الذي عقد في مدينة جدة، بدت توصياته جادة الى حد كبير. ولكن تبقى الخطوة الأهم في التنفيذ كالعادة. المؤتمرون ركزوا على نقطة في غاية الاهمية، وهي حاجة الموهوبين الى معلمين من «طراز خاص». وهذا هو بيت القصيد بحق.

هل نملك في مدارسنا فعلاً معلمين لديهم المهارات الكافية للتعامل مع مواهب الشبان واليافعين وتنميتها وتوجيهها بشكل فعال. قبل الاجابة على السؤال هناك نقطة مهمة يجب التنويه بها. وهي ان هناك لبسا لدى المعلمين أنفسهم في تعريف الموهوبين، فالثقافة السائدة تعتقد أن المتفوق دراسياً هو الموهوب. بينما يمكن لطالب أن يكون مبدعاً في الرياضيات، ولكنه غير مميز في الكيمياء أو أن يكون مميزاً في الكتابة، ولكنه فاشل في المواد العلمية.. الخ. وبالتالي معايير رعاية الموهوبين مختلفة عن معايير رعاية المتفوقين.

أتذكر قصتين لافتتين في طريقة تعامل المعلمين مع الموهبة، من خلال دراستي في المرحلة الثانوية وهي قريبة، لا تتجاوز الأربع أو الخمس سنوات. الاولى كانت مع أحد الطلاب المبدعين في الرسم، ولكنه كان متأخراً دراسياً الى حد ما. وفي احدى الحصص الدراسية شاهد معلم الرياضيات رسومات الطالب المميزة، وبعد أن قلبها قال له بالحرف الواحد «ليتك تهتم بدروسك فهي أولى من هذه الشخبطة».

هذه القصة تحديداً تذكرتها، عندما أشار أحد الملقين للأوراق العلمية الى «الحساسية المفرطة للموهوب وحاجاته النفسية المعقدة، والرعاية الخاصة التي يتطلبها الموهوب». ولم أضحك بالطبع.

والقصة الثانية كانت مع معلم مادة التعبير، الذي طلب منّا نصاً ذاتياً مليئاً بالمحسنات البديعية. فاعترض أحد الطلاب الموهوبين في الكتابة على موضوع الدرس، متكئاً على أن هذه الطريقة خاطئة، فكيف يكون سبب كتابة نص ادبي أن يكون مليئاً بالمحسنات البديعية فقط. فرد عليه المعلم بأنه اذا لم يرد الكتابة فعليه الوقوف حتى نهاية الدرس. فقام الطالب بكتابة قصيدة جبران خليل جبران «أعطني الناي وغني» وقدمها للمعلم على أنه هو كاتبها. فدهش المعلم وطلب منه القاءها على الزملاء ومنحه الدرجة الكاملة. تخيلوا معلم لغة عربية في المرحلة الثانوية لا يعرف واحدة من أشهر القصائد المغناة لأحد اكبر الأدباء العرب. هل من المهم أن أشير هنا الى أن هذا المعلم يتولى اليوم ادارة احدى المدارس في ذات المدينة؟

المكان الحقيقي لرعاية الموهوبين هو الانشطة اللاصفية حتى ينتمي كل طالب لما يحب من نشاط، يجد أنه قادر فيه على التعبير عن نفسه ومكنوناته الداخلية، وهي الاخرى تعاني ترهلاً ثقافياً محزناً، وغدت حصتا النشاط الاسبوعي مرتعاً لاستجمام بعض المعلمين، وفرصة للنوم لطلاب آخرين.. وتلك قصة أخرى.

[email protected]

* مقال يناقش قضايا الشباب