مصر: لماذا يتغافل الأمن المصري عن «ميليشيا» الإخوان ؟

TT

مرت في الشهر الماضي في مصر وقائع لم يقابلها للأسف رد فعل يناسب خطورتها مما يطرح التساؤلات حول جدية المشتغلين بالسياسة في البلاد، وغفلتهم عما يدبر لتهديد سلامة الأمة المصرية وأمنها.

المرشد العام لجماعة الأخوان المسلمين، صاحب القول الأشهر بذاءة هذا العام «طز في مصر وابو مصر»، كمقياس على مدى ولائه للأمة المصرية، قال لوكالة الأنباء الفرنسية قبل وقف اطلاق النار في لبنان، انه على استعداد «لإرسال عشرة آلاف شاب مقاتل للقتال بجانب حزب الله اللبناني».

واستباقا لرد الممسكين بعباءة المرشد ليدافعوا بان سيدهم قال لتلفزيون العربية ان «خبثاء» حرفوا كلامه، اشير الى تكرار المرشد الدعوة نفسها، بعد ايام من لقاء العربية، في مؤتمر حاشد بنقابة المحامين مؤكدا ان الجهاد ليس لهوا، وانه يحتاج الى تكنولوجيا متطورة وان الأخوان مستعدون لذلك.

وبما ان القتال ليس عبثا، وأن الأمر «ليس هزار» بل فيه دم وموت، فإننا امام احتمالين.

إما ان مرشد جماعة الاخوان كاذب ولا يملك تكنولوجيا حربية ولا يحزنون، وكلامه مجرد «تهويش» وهي مصيبة؛ او انه قادر بالفعل على القتل والتدمير، وهي مصيبة اعظم تنذر بكارثة من الجرم السكوت عليها. فتجاهل ما يدبره والتهاون معه يعني انتظار لحظة وثوب ميليشيا المظلمين لتدمر ما بقي من حضارة السبعة آلاف عام باعتبارها السد المنيع امام زحف جحافل الهمجية والظلام والتخلف التي تريد بسط اشباح القرون الوسطى فوق المحروسة.

فإذا كان «المعلم» مروج لمثل تلك الدعاوى، فضروري ان «صبيانه» كذلك. وإذا كان رب الدار للدف ضاربا، فشيمة اهل البيت الاخواني الرقص في البرلمان. وهي مصيبة تظهر تراجع أكثر من 150 عام في وعي قرابة مليوني ناخب (20% من مجموع تسعة ملايين ادلوا بأصواتهم) صوتوا للإخوان، «(انضحك) عليهم واشتروا الترام» التي ركبها أكثر من 80 (اخوانجي) اوصلتهم للبرلمان لحاجة في نفس يعقوب، لا علاقة لها بمصالح سكان الدوائر التي يمثلونها.

فمنذ تأسيس الجماعة ولمرشدها عند الأعضاء قدسية الخميني عند الجمهوريين الإسلاميين، وإذا كان كاذبا يسعى بإطلاق التصريحات الى ارهاب مصر، حكومة ومعارضة، ساسة ومؤسسات مدنية، بحكاية العشرة الاف مقاتل «ليسمعوا الكلام وإلا ...» ، فمن الطبيعي ان يسير أكثر من ثمانين نائبا حسب ارشاداته ويعملون على ترويج ما يرهب الناس حتى لا يكشفون كذبهم وإهدارهم لوقت الناخب.

خذ مثلا النائب الإخواني محسن راضي الذي يتقاضي مرتبا محترما ومصاريف نفقات يتحملها دافع الضرائب المصري «الغلبان»، ترى ما هي القضية التي شغلته، واستنفذت جهود البرلمانيين واستحوذت على وقت معتبر من الجلسات في الاشهر الماضية؟

لم تكن تحسين المواصلات؛ او بحث قضايا الإسكان؛ او زيادة الدخل القومي؛ او مناقشة تطوير الأمن المصري في اعقاب الهجمات الإرهابية التي هددت ارواح المصريين وأرزاقهم، ولم نسمعه يعلن تضامن كتلة الأخوان مع الحكومة لمكافحة الإرهاب كما فعلت احزاب المعارضة في برلمان وستمنستر امام الارهاب. ولم نسمع انه، او غيره من الأخوان، تقدم بطلب تخصيص جلسة لادانة القاعدة ـ وعرابها الظواهري ـ والارهابيين الذين يريدون النيل من المحروسة.

اضاع النائب الأخواني الوقت البرلماني (الذي يدفع الشعب ثمنه) في مناقشة طلبات تقدم بها لمنع حفلات المطربة اللبنانية هيفاء وهبي من مصر بسبب «الخلاعة» دون ان يأخذ رأي من يمثلهم من ناخبين.

وفجأة وبالاستبدادية، التي نصب فيها نفسه رقيبا على أذواق الناس، سحب النائب الأخواني طلب المنع، ليفتي بان المغنية «عال العال» ومجاهدة من الدرجة الأولى اثناء حرب حزب الله مع اسرائيل، استمرارا لمفهوم «طز في مصر» الذي يؤكد ولاء الاخوان لخارج الأمة المصرية، حيث اسقط الأخوان تهمة «الخلاعة» عن المطربة بمجرد اعلان تضامنها غنائيا مع قوة اجنبية غير مصرية، هي حزب الله اللبناني.

ولأن «المنع» و«الاباحة» احتكرهما النائب الأخواني دون أخذ رأي الناخب، فذلك تأكيد عملي بان التمثيل النيابي عند الأخوان لا يخرج عما ردده احد اقطابهم مرة بأن الديموقراطية هي «قبقاب يدخلون به الحمام» ثم يخلعونه بعد نيل او قضاء حاجتهم.

اما إذا كان المرشد صادقا في كلامه ويمتلك المقاتلون السلاح وتكنولوجيا القتل والتدمير، فهي كارثة قومية يجب ان تتحرك اجهزة الدولة تحسبا لملاقاتها، ويجدر بالبرلمان المصري استدعاء وزير الداخلية للإجابة على اسئلة امنية خطيرة .

هل المباحث غافلة عن مليشيا «عشرة الاف مقاتل» يدربهم الأخوان على تكنولوجيا القتل والتدمير التي يلوح بها مرشدهم العام ؟ أم انها تعرف «وتطنش»؟ ولماذا يفلت من الرقابة الأمنية من تشير افعالهم وأقوالهم، ماضيا وحاضرا، الى عدم ولائهم لمصر؟

للإخوان، ومنذ تأسيسهم، الجهاز السري للإرهاب الذي وظفوه لوضعهم فوق القانون مثل اغتيال القاضي الخازندار عام 1931 لأنه حكم وفق قانون الدولة المصرية ضد مجرمين من الأخوان، فقرر مرشدهم حسن البنا تصفيته مثلما اعترف رئيس الجهاز السري وقتها. ولدى الأخوان تاريخيا تكنولوجيا ارهاب الناس والأضرار باقتصاد مصر مثلما فعلوا في الأربعينات بتفجير قنابلهم في دور السينما عندما نهضت كصناعة لتثري اقتصاد البلاد.

وهذا التاريخ المشين معروف لدى المباحث وموثق في سجلات القضاء، فلماذا سكتت الأجهزة المسئولة عن امن الوطن عليهم؟

ومن اين حصلوا على السلاح والتكنولوجيا وكيف تم تهريبها الى البلاد، ومن اين جاء التمويل وما هي الجهات الأجنبية التي تقف وراءه؟ وهل تظل الدولة غافلة عن نمو سرطان ميليشيا الأخوان في الجسم المصري حتى يقضي عليه؟ اتريد القاهرة ان تتكرر مأساة لبنان بميليشيا تؤسس دويلة داخل الدولة؟ دويلة اجنبية الولاء تشن الغارات على الجيران وتجر الأمة المصرية الى حرب لحساب قوى اجنية؟

ان سموم الأخوان، والقوى الأخرى الأجنبية الولاء والتمويل (بدليل انتشار وثراء صحف ناصرية (بعثجية وقومجية) ما كان يمكن ان تصدر طبعتين متعاقبتين من دخل التوزيع وحده بدأت تسري وتنتشر في الجسم المصري.

وانتقلت العدوى الى نقابة المحامين بدعوى نقيبها سامح عاشور الناصري الاتجاهات بفتح باب الجهاد ضد «العدو الصهيوني» واستضافته نشطاء التيار الأسلاموي داعين الى تحويل الجامعات الى مراكز للتدريب على حمل السلاح و«طز» في التعليم ومستقبل الطلاب.

واذا كان مرشد الأخوان يريد الحرب لحاجة في نفسه، فكيف يتسنى لنقيب المحامين تجاهل وثيقة قانونية شرعية هي معاهدة السلام؟ ولا بد ان اب المحاماة والوطنية مصطفى كامل باشا ينتحب في قبره لتمزيق من جاءوا الآن من الذين استولوا على نقابة المحامين، للفصول الناصعة من كتابها المجيد؛ بينما يبكي ابو المصريين سعد زغلول باشا في ضريحه، اذ لم يتصور ان يجلس تحت قبة البرلمان يوما من لا يدين بالولاء أولا للأمة المصرية.