عن جدة أحدثكم

TT

هناك مدن تحل عليها حالة غريبة فجأة، فتصبح كل القرارات والتجهيزات مؤذية ومضرة. فأهل الاسكندرية يتذكرون الحقبة السابقة التي شهدت اجراء عجيبا تمثل بأمر يسمح بضخ مياه المجاري في بحرها، فتضررت بذلك شواطئها ووجدت أمراض بشعة ولحقت خسائر بمواسم السياحة فيها لسنوات.

وفي عمان يتذكر أهل العاصمة الاردنية سلسلة القرارات الغير مفهومة التي غيرت مسارات السير وغيرت تعرفة ورسوم وضرائب محلات التجزئة لفترة غير قصيرة محدثة تذمرا وقلقا ونضوبا في الاعمال. كلكتا المدينة الهندية العريقة هي الاخرى وقعت ضحية لقرارات إدارية سيئة جعلتها عبر السنوات تصنف على أنها أسوأ مدينة في آسيا.

وإذا ما تحدثنا عربيا وتحديدا في السعودية نرى أن مدينة جدة تحولت على مدى فترة ليست بالقصيرة الى مدينة هرمة. فجدة بها مطار سيئ من ناحية الجاهزية والتنظيم، وشوارعها مليئة بالحفريات، والتلوث وصل في هوائها لمراحل عالية لأسباب، منها دخان مصانع تحلية المياه، والتي تنفث على مدار الساعة في جدة، وكانت هذه المدينة أيضا موقعا لإحدى أغرب قصص ادارة الخدمات البلدية والتي تمثلت في مأساة الصرف الصحي (جدة للآن بلا شبكة صرف صحي بالرغم من صرف بلايين الريالات، ويبقى الشخص الاداري المسؤول عن ذلك بلا محاسبة). جدة مدينة عريقة كانت ملتقى لحضارات منذ قديم الزمن، وتاريخها «الرسمي» يبلغ ألف وأربعمائة عام وسنتين، منذ أن أطلقها الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه لتكون الميناء الرسمي للدولة الاسلامية عام 24 للهجرة، ولكن كتب التاريخ تؤكد أنها أقدم من ذلك التاريخ بكثير. وقد تمكنت هذه المدينة من أن تكون حاضنة لأجناس وأعراق وأمم في بوتقة حضارية فريدة جعلت فيها مناخا تسامحيا خلاقا جعلها تتبوأ مكانة مميزة في مجالات الطب والتعليم والتجارة والضيافة واستبقت عمليا بذلك اللقب الذي أطلقة عليه أبناؤها بعد ذلك بعقود طويلة وهو «جدة غير». وبعد معاناة أهالي جدة وضيوفها من الخلل الاداري والثغرات التي عطلت مشاريع وطموحات هذه المدينة المهمة، بعد ذلك فوجئ اهالي المدينة وزوارها في الفترة الاخيرة بتكوين ما يسمى لجنة للآداب العامة والتي من المفروض أن تراقب المخالفات الاخلاقية. وقد انطلقت هذه اللجنة وهي تثير الاستغراب لدى الزوار والسياح وأصحاب المحلات والمطاعم الامر الذي أدى لتكوين حالة من القلق والضغط الشديد، خصوصا أن بعض اساليب ممارسة هذه اللجنة لأعمالها كان مشعرا بوجود حالة من إساءة الظن والأدب كذلك، ناهيك من الفظاظة.

هناك العديد من القرارات التي أتت بها هذه اللجنة «لتطبيقها لم تألفها جدة، سكانا وزوارا، كوضع عوازل بين الناس» توضع في أماكن لقاءاتهم، وكمنع «الانشطة الفلكلورية». كلمات جميعها مبهمة وغامضة لا فائدة منها إلا التنكيد على الناس في إجازاتهم وفي ارزاقهم. لجنة الآداب العامة كان أجدر بها أن تمارس هذه الحماسة على من اساء للبنية التحتية لجدة وأساء الأدب حقيقة لها ولأهلها وزوارها، لا لزوج وزوجة اجتمعا على عشاء في مطعم أو مجموعة من الشباب يتسوقون. احسان الظن بالناس مطلوب.

[email protected]