هذه ليست «عزّة» التي عرفتها!

TT

أثناء وجودي في القاهرة حرصت على مشاهدة فيلم «عمارة يعقوبيان»، المأخوذ من رائعة علاء الأسواني، التي تحمل نفس الاسم، خاصة أن الفيلم امتلأ بالنجوم الكبار، أمثال عادل إمام ونور الشريف، ولم تتح لي فرصة مشاهدته إلا في دار سينما وسط البلد أنشئت سنة حفروا النيل، ولا يزال روادها يحتفظون بتقاليدهم السينمائية القديمة كالتصفيق والصفير وتشجيع البطل، وهم يتناولون «اللب» و«السوداني» و«الفشار»، وينفثون قشور ما له قشور على الظهور العريضة المشرعة في الظلمة.. وكانت نفس الدار التي شاهدت فيها ـ طفلا ـ العرض الأول لفيلم «في بيتنا رجل»، بطولة عمر الشريف وزبيدة ثروت في عقد الستينات من القرن الماضي.

ورغم كل إشادات النقاد بالفيلم وإخراجه وتصويره وممثليه، إلا أنني استمتعت بـ«عمارة يعقوبيان» على الورق أضعاف ما استمتعت بها على الشاشة، وتلك إشكالية يقع فيها الكثير من الوراقين أمثالي، الذين شكل الورق وسائط إدراكهم للكثير من حقائق العالم وجمالياته، وقد كان حالي ـ مع مراعاة الفارق ـ كحال المنفلوطي، الذي يؤكد أنه يستمتع بوصف الروض والخمائل على الورق أكثر من العيش فيها، لذا كان أول شيء فعلته حينما غادرت تلك الدار السينمائية، أن توجهت إلى مكتبة مدبولي بميدان طلعت حرب، لأبتاع رواية «عمارة يعقوبيان» وأبدأ في قراءتها ـ ربما ـ للمرة الرابعة.. وقد تأكد لي أن ملامح شخوص الرواية، الذين ولدوا في خيالي أثناء قراءتها ليست لهم نفس ملامح الأشخاص الذين كانوا يتحركون أمامي على الشاشة، فلمخرج الفيلم خيالاته الخاصة التي ليس بالضرورة أن تطابق خيالات الآخرين.

وقد حدث لي نفس الشيء حينما قامت إحدى شركات الإنتاج التلفزيوني بتحويل قصة لي بعنوان «آخر رسالة حب» إلى سهرة تلفزيونية أخرجها المخرج السعودي الرائع عامر الحمود، ولعب بطولتها باقتدار، محمد حمزة ومريم الغامدي ووجنات رهبيني وآخرون، ففي موقع التصوير رحت أشاهد جزئيات من العمل، ولم يستطع ذهني أن يتقبل أن «عزة» بطلة قصتي، هي تلك الفتاة التي تتحرك أمامي تؤدي ذلك الدور، فعزة ولدت في خيالي بمواصفات محددة لا يمكن أن تجسدها تماما تلك الفتاة، ولربما أية فتاة أخرى أيضا، كما أن عزة في داخلي ليست تماما هي عزة التي تلقاها مني المخرج عامر الحمود.. يومها خرجت من مقر التصوير وأنا أحمل حقيقة أن الكلمات عاجزة ـ مهما حاولنا ـ أن تنقل إلى الآخرين بكل دقة ملامح الصور الذهنية كما ولدت في دواخلنا، فللمخرج وللممثلين أيضا صورهم الذهنية، التي لا يمكن أن تأتي حسب مواصفاتنا الخاصة، فلكل منا صوره الذهنية التي لا تشبه غيرها، وعلينا أن نستحضر هذه الحقيقة لنستمتع بمشاهدة أعمال مصورة سبق أن قرأناها أو كتبناها على الورق.

[email protected]