وحتى لا نظلم أميركا !

TT

في الأيام القليلة الماضية توفرت لي فرصة التحدث في اللقاءات السنوية للمحاربين القدامى في الحروب الخارجية والفيلق الأميركي. انها لتجربة متواضعة على الدوام ان يكون المرء بين أولئك الذين قاتلوا من اجل بلادنا خلال بعض من أوقاتنا الصعبة، عندما لم يكن من الواضح ما اذا كانت طريقة حياتنا ستنتصر.

ومرة اخرى نواجه نزاعات تختبر ما اذا كنا نعتقد أن الدفاع عن الحرية جدير بالتضحيات التي نقدمها. ومرة اخرى هناك من لا يتفقون مع المهمة، مثلما هناك الذين يرتابون في أنها تستحق التضحيات. وهذا شيء متوقع في زمن الحرب.

وفي الوقت الحالي يعتقد البعض ان الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة هما مسألتا أبيض وأسود: الخير ضد الشر. ولكن كان هناك على الدوام أولئك الذين يعتقدون ان علينا ان نتراجع الى داخل حدودنا.

وفي مسعى لتجنب تكرار مذبحة الحرب العالمية الأولى فان كثيرين في العالم الغربي حاولوا تهدئة وتجنب المخاطر المتزايدة في أوروبا وآسيا في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية، كما تمّ تجاهل أولئك الذين حذروا من صعود النازية والفاشية والشيوعية.

والعدو الذي نواجهه اليوم مختلف عن الأعداء الذين واجهناهم في الماضي، ولكن أهدافه مشابهة: فرض آيديولوجيته المتعصبة التي تجسد الكراهية تجاه بقية العالم.

وفي الحديث الى محاربينا القدامى طرحت عددا من الأسئلة لترشدنا خلال هذا الصراع ضد متطرفي العنف:

* ارتباطا بتيسر الأسلحة الفتاكة المتزايد ، هل يمكننا حقا ان نعتقد بأن المتطرفين الأشرار يمكن تجنبهم بطريقة ما ؟

* هل يمكننا أن نواصل التفكير بان الدول الحرة يمكن أن تتفاوض للتوصل الى سلام مستقل مع الارهابيين ؟

* هل يمكننا، حقا، أن نتظاهر بأن التهديدات اليوم هي ببساطة مشكلات «تنفيذ قوانين» وليست تهديدات مختلفة جوهريا وتتطلب طرق معالجة مختلفة جوهريا ؟

* هل يمكننا العودة الى وجهة النظر التدميرية التي تقول ان اميركا، وليس العدو، هي المصدر الفعلي لمشاكل العالم ؟

هذه هي الأسئلة الأساسية لعصرنا، وكما هو الحال في جميع فترات النزاع، ليس أمامنا خيار سوى مجابهتهم.

والسؤال الأخير يتمتع بأهمية استثنائية لأن هذه هي اول حرب في القرن الحادي والعشرين، وهي حرب ستخاض، الى حد كبير، في وسائل الاعلام على مستوى عالمي. لا يمكننا السماح لأكاذيب وخرافات الارهابيين ان تتكرر بدون تساؤل أو تحد.

كما ان علينا ان نكون على دراية بأن الصراع من الأهمية، والعواقب من الشدة، بحيث لا يمكن السماح بأن تسود عقلية «وجهوا اللوم لأميركا أولا» وتتغلب على حقيقة ان بلدنا، على الرغم من أنه ليس مثاليا، هو قوة خير في العالم.

تخيلوا ان البحث عن المعطيات من جانب الصحف الرئيسية في البلاد كان في ذكره لأحد الجنود الذين عوقبوا على سوء تصرفهم في أبو غريب أكثر بعشر مرات من ذكره للرقيب بول راي سميث، أول من تقلد وسام الشرف في الحرب العالمية على الارهاب.

ثم ان هناك قضية منظمة العفو الدولية، وهي منظمة لحقوق الانسان تحظى باحترام مديد، والتي وصفت معسكر الاحتجاز في خليج غوانتانامو بأنه «غولاغ عصرنا»، اشارة الى نظام السجون ومعسكرات الاعتقال السوفييتية حيث كان مواطنون ابرياء يعانون من الجوع والتعذيب والقتل.

وعلى النقيض من ذلك يتضمن سجن غوانتانامو ساحة للكرة الطائرة ولكرة السلة وملعبا لكرة القدم ومكتبة (الطلب الأكثر على كتاب (هاري بوتر)». ويعد الطعام ويقدم وفقا للقواعد الاسلامية، وهو يكلف بالنسبة للسجين الواحد اكثر مما يكلف بالنسبة لفرد في الجيش الأميركي بالمعدل المتوسط .

وبشيوع مثل هذه الأمثلة في وسائل الاعلام العالمية أشعر بالقلق بشأن الافتقار الى افق في حوارنا القومي، وأعني افقا للتاريخ وللتحديات الجديدة والتهديدات التي يواجهها الناس الأحرار في عالم اليوم.

* خدمة «لوس انجليس تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»