من الصعب إعادة تشكيلها

TT

هناك علاقة عجيبة بيننا وبين الأمم المتحدة. عندما تأتي إلى جانبنا نحبها وعندما تبتعد قليلا ننصرف عنها بغضب. وقبل حوالي العام سألتني الزميلة بتول أيوب على «المنار»: «ألا يجب أن نخرج من هذه المنظمة ونمشي؟». وقلت لها، سوف امشي معك، ولكن إلى أين؟ إن هذا العالم خال من المؤسسات والمنظمات الدولية. والكتل السياسية التي كانت تشكل مشروعا بديلا زالت كلها، من عدم الانحياز إلى الكتلة ـ الأفريقية الآسيوية. وأوروبا أصبحت دولة واحدة لا مجموعة دول يتكل الضعفاء على خلافاتها وفروقاتها. فإلى أين نذهب؟ أي خطوة في الفراغ سوف تخلخل النظام العالمي. ونحن تشكل الأمم المتحدة بالنسبة الينا خزنة الوثائق والصكوك. ولا يمكن أن نقول لها هاتي اعطنا قرار التقسيم ولكن فيما نحن نرفض القرارات حول إيران وحول ليبيا. إنها منظمة متحيزة وخاضعة للنفوذ الاميركي ولكن الدول التي تريد التمرد على هذا النفوذ لن يوقفها احد. لا الصين ولا روسيا ولا السنيور هوغو شافيز الذي يريد أن يرث فيدل كاسترو في أميركا اللاتينية. ولكن من أين لنا أن نعطي للعقيد هوغو وسامة كاسترو وجاذبيته ورفيقا مثل تشي غيفارا يسقي أحلام الفلاحين في جبال الانديز؟

أجمل ما قرأت في الدفاع عن الأمم المتحدة هو قول المؤرخ الايرلندي بول كينيدي قبل أيام: «حتى لو حاولنا، لن نستطيع اليوم إقامة أمم متحدة أخرى. كل عناصر تشكيلها كانت متوافرة في زمن مضى». فكرت أن كتب هذه الخواطر وأنا أتابع جولة كوفي أنان في المنطقة. لم أكن أتخيل أن رجلا أجنبيا يمكن أن يتحدث في العلاقة الديبلوماسية بين لبنان وسورية، ما لم يكن يحمل هذه الصفة الأممية المنزهة. إن موضوعا في مثل هذه الحساسية عند سورية لا يستطيع أوروبي أو أميركي إثارته في قصر المهاجرين، أو حتى مع وزير الخارجية السيد وليد المعلم، صاحب القول الشهير «إن الذين يثيرون موضوع الجولان متآمرون على سورية». إن المنظمة هي الحاضنة الوحيدة الممكنة للقضايا الدولية. منذ الحرب العالمية إلى اليوم. وبرغم إخفاقاتها وقصورها، فهي الصيغة الأممية الوحيدة للتعاطي بين الدول. وهي الفريق الوحيد الذي يعلن الحرب طلبا للسلم أو يرسل الجيوش لفض الاشتباكات وليس لشنها. وأتمنى للسيد أنان النجاح في مهمته الأخيرة. ونحن في لبنان يسعدنا أن يسجل خاتمته السعيدة فوق أرضنا المدمرة. وهو يعرف، ربما، ما لا يريد احد الإقرار به، وهو أننا بلد ذاهب إلى المجاعة غير المعلنة، وان المساعدات الدولية سوف تعيد بناء بعض الخراب، لكنها لن توقف الإفلاسات وإغلاق الشركات وصرف آلاف الموظفين.

لقد عارضت، كصحفي، السيد الأمين العام منذ اللحظة الأولى، لأنه جاء على قبضة المسز أولبرايت والأوامر الأميركية المعلنة وبالتالي مقيدا بها ومدينا لها. والآن نودع العزيز كوفي بشيء من الافتقاد. وقد حاول بيريز دي كويار أن ينقل تجربته وعلاقاته إلى البيرو فأخفق في الوصول إلى الرئاسة. ونتمنى لأنان رئاسة غانا. إنه أفريقي ممتاز. لكن المؤسف أن الدور ليس للقارة.