أراد أن يعرف الهيئة الغنائية

TT

قلت للأستاذ محمد عبد الوهاب: عندي هدية.

فسأل: صوت جديد..؟

قلت: نعم. قال: تعال فورا.

وذهبت إلى عبد الوهاب في بيته. وقد ارتدى بدلة أنيقة ـ وهو رجل أنيق. ومعي هذا الشاب الصغير جميل الصوت، وجلس الشاب يرتجف أمام عبد الوهاب، فلاحظ عبد الوهاب ذلك وراح يحدثني في موضوعات مختلفة: وأين كنت أمس. وماذا فعلنا في غيابه، وكنا نتناول عشاءنا في بيت أم كلثوم، وسأل: ماذا غنت لكم وماذا غنى الملحنون محمد الموجي وبليغ حمدي والشيخ زكريا.. وماذا أكلنا وكيف انتهت السهرة. ثم التفت عبد الوهاب إلى الشاب الصغير وقال: ماذا تريد أن تسمعني فارتجف الشاب وتلعثم وغنى له أغنية.. وقلت: أريد أن أسمع أنا هويت وانتهيت لسيد درويش وغنى.. وأعجبني ولكن لم يظهر على وجه عبد الوهاب شيء يدل على استحسان هذا الصوت الجديد، ولا عنده رغبة في أن يسمع أغنية أخرى غيرها، وإنما تحول عبد الوهاب إلى وكيل نيابة يحقق مع الشاب الصغير كأنه ارتكب جريمة وجاء يعترف.. أو كان لا بد أن يعترف وإلا..

سأله عن بلده وأهله وأبيه وأمه وإخوته وماذا يأكل وماذا يشرب وكم من الوقت استغرقه في ارتداء ملابسه.. وإن كانت في حياته قصة حب أو كان في نيته أن يتزوج، وعن رأي أسرته وأصدقائه في صوته وإن كان أحد يشجعه أو أحد يريد أن يصرفه عن الغناء، ثم ماذا يقول لمن يقول إن الغناء صناعة من لا صناعة له.

وبدلا من أن يؤدي هذا الحوار الطويل العريض إلى تهدئة أعصاب هذا الشاب المسكين، فقد ضاعف اضطرابه ولكن عبد الوهاب لم يرحمه ولا توقف عن السؤال، وآخر سؤال: أنت وزنك كم كيلو؟

ـ 56 كيلو.

ـ ومنذ متى؟

قال: من حوالي سنة.. ثم أشار له عبد الوهاب بأن يتفضل من غير مطرود وينصرف. والتفت إلى عبد الوهاب أسأله: يا أخي أنت بهدلت الولد، ما هذه الأسئلة كلها؟ وكان الرد أنه حاول أن يسمع منه كل الحروف وكل الكلمات وأن يتأكد من التنفس الصحيح.. وأراد أن يعرف كيف يتغير صوته من انفعال لانفعال وإن كان مستعجلا في أكله وشربه وان كان وحده يشق طريقه إلى الطرب وهل هناك من يشجعه ويؤمن به.. وهل عنده محبوبة يغني لها..

والخلاصة أنا الذي سأل.

وقال عبد الوهاب: يحتاج إلى تدريب طويل والى العناية بصحته.. وأن يقلل من أكل النشويات والسكريات لأنه عصبي، ولذلك تسوست أسنانه الأمامية، والمطرب غير الملحن.. فالملحن لا يراه الجماهير. ولكن المطرب يرونه ويراهم، ولذلك يجب أن يكون حسن الهيئة، ملابسه وأدائه، وان يستشعر أن الغناء شيء محترم يجب أن يحشد له كل ما لديه من أدوات.

ـ يعني هذا الصوت فيه أمل؟

ـ نعم.