دارفور: سيف القسوة.. ورذاذ الرحمة

TT

ما رأيكم في هذه المعلومة..؟

عدد سكان اليابان 127 مليونا و463 ألف نسمة، يحققون ناتجا إجماليا محليا قدره 4 ترليونات ونحو 600 مليار دولار في العام، ليصبح متوسط دخل الفرد الياباني من ذلك الناتج الإجمالي المحلي 31 ألف دولار في العام. وفي المقابل عدد سكان أميركا 298 مليون نسمة يحققون ناتجا إجماليا محليا قدره 12 ترليون دولار و360 مليارا في العام، ليصبح متوسط دخل الفرد الأميركي 41 ألفا و800 دولار في العام. الأرقام تلك تقول لك إن أميركا هي الاقتصاد الأول عالميا واليابان تحتل المركز الثاني. ولكن هل لكل ذلك دخل بالسودان وبقضية دارفور التي دخلت بحار التدويل وغرقت فيها؟

الإجابة نعم، ولكن اعتمادا على هذه الفذلكة، وقبل ذلك، ماذا تقول لك الأرقام عن السودان؟

ناتج السودان الإجمالي المحلي 85 مليار دولار وعدد سكانه 41 مليونا

و236 ألف نسمة، ومتوسط دخل الفرد ألفان و100 دولار في العام (دخل الأميركي عشرون ضعف دخل السوداني ودخل الياباني 15 ضعفا).

ومن غير قفز أيضا، ما رأيكم في هذا الخبر:

أواخر أغسطس الماضي جددت اليابان استثمارها في مجال صحة الطفل في شمال السودان ودارفور بالشراكة مع منظمة اليونسيف، فقدمت 4 ملايين دولار لتصل بمساهماتها في هذا المجال الى 10 ملايين دولار خلال 2006، فيما كانت قد ساهمت في 2005 بمبلغ 14 مليونا ونصف المليون دولار ضمن مشاريع تعنى بصحة الإنسان وتحصين الأطفال في وطن تسكن فيه الملاريا أجساد 7 ملايين مواطن.

في نفس أيام تبرع اليابان لأطفال السودان، كان الصقر الأميركي جون بولتون في كواليس نيويورك، يضغط لإخراج القرار 1706، فحصل في آخر يوم من أيام أغسطس على 12 صوتا مع امتناع ثلاث دول، هي قطر والصين وروسيا عن التصويت، وينص القرار على رفع قوات الأمم المتحدة في السودان (أونميس) إلى 17 ألف عنصر، ولا يشترط موافقة الحكومة السودانية. وبيت القصيد أنه يضع آخر أيام هذا العام، أي 31 ديسمبر 2006، موعدا أقصى لدخول تلك القوات تحت الفصل السابع. والإشارة المستحقة هنا أن الدخول بالموعد الذي تم اختياره يأتي قبل 24 ساعة فقط من احتفال السودانيين بعيد استقلالهم الـ51. فهل يكون القصد تدشين مفاهيم السيادة الجديدة (المنقوصة مع معطيات العولمة والنظام العالمي الجديد؟ ليتقبل السودانيون سيف القسوة المسلط لذبح مفاهيم السيادة القديمة، وتجريب (الحلاقة) فيها على رؤوسهم المبتلة أصلا بانقسامهم حول تقبل ورفض هذه القوات، وكل ذلك على أعتاب منظومة هذه الألفية القيمية، وبينها التجاوب الدولي ومن تحت قبة مجلس الأمن مع ما هو أمني وإنساني، ومع ما هو عدلي، وما هو في عداد الرادع لدى غير المؤهلين لامتلاكه، لتتزاحم هنا قضايا دارفور ولبنان واغتيال الحريري وسلاح حزب الله والملف النووي الإيراني، لتجعل من هذه القضايا بدولها بؤر الشهور القادمة الأكثر سخونة.

دراما سوداء تستحق التأمل، دولة فقيرة عالمثالثية يتبرع لها من هو في المركز الثاني عالميا بحساب القوة الاقتصادية والرفاه منشطا مسعاها لتخفيف معدلات وفيات أطفالها تحت سن الخامسة، فيما يريد من هو في المركز الأول اقتصاديا أن يقتص من كبارها ويفرقهم أيدي سبأ، فلا يطالون بلح حياتهم، أو عنب إنقاذ أطفالهم. دنيا تصدق معها سنن الله في الحياة، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن أي دفع هذا الأميركي! وهل من خطأ إذا قلنا إن الدفع يمكن أن يكون بالربت على الكتف، مثلما يمكن أن يكون بصفعة يطير معها العقل فيفقد الإنسان بوصلة الاتجاه. ومع ذلك وفي كل الأحوال فرذاذ الرحمة أفضل بكثير من سيف القسوة.

[email protected]