عقول مريضة

TT

يحتار المرء في فهم الطريقة التي تعمل بها عقول الاشخاص الذين نفذوا ودبروا إطلاق النار على مجموعة من السياح الغربيين في العاصمة الاردنية عمان.

وهو أمر محير لأن هذا الاسلوب، الاستهداف العشوائي لسياح او مدنيين، لن يغير سياسات دول او حكومات، ولن يبدل توازنات القوى في العالم إلا بزيادة درجة التوتر الامني.

فالنتيجة المباشرة لإطلاق النار في عمان، ومثل ما حدث في دول عربية او غير عربية اخرى، هي ان الخاسر الاكبر هو قطاع السياحة في البلد المعني، فالسياح سيفكرون عشرات المرات قبل التفكير في القدوم الى عالم تتنافس فيه دول العالم بضراوة على جذب السائح.

ومع خوف السياح من القدوم يتأثر الاقتصاد ويخسر الناس وظائفهم في كل قطاعات الخدمات المرتبطة بالسياحة، فهل هذا ما كان يفكر فيه منفذو الهجوم.. إفقار الناس؟

المفارقة ان الجماعة التي ابتدعت الهجمات على السياح وهي الجماعة الاسلامية المصرية قامت بمراجعات عديدة لأفكارها وممارساتها بعد عقود من الدم، وأدانت في مراجعاتها التي نشرت «الشرق الاوسط» احدثها في الاسبوعين الماضيين، استهداف السياح والمدنيين.

وفي ادانتها للعنف وقتل المدنيين تعلمت هذه الجماعة الدرس وذلك بعد ممارسات دموية راح ضحيتها عشرات السياح والمدنيين وكانت خسائرها بمليارات الدولارات للاقتصاد المصري وفقدان آلاف الوظائف.

لكن يبدو ان الدرس لم يصل الى الجميع، او ان هناك اصرارا على تكرار الاخطاء وكأن لا أحد يتعلم، فما زالت الهجمات والتفجيرات والاعتذارات مستمرة، واخذت شكلا اصبح اكثر دموية ودمارا.

وفي الثمانينات والتسعينات لم تكن لدى الجماعات المتطرفة التي قامت بأعمال دموية وقتل عشوائي، مثل هذه الآلة الاعلامية الموجودة اليوم، في مواقع على الانترنت تظهر المنفذين على انهم ابطال، او فضائيات تثير الفوضى وتفتح برامجها لشيوخ التحريض او التبرير على امل ان تبعدها ستارة الدخان هذه عن النار.

وبالطبع فإن وجود هذه الوسائل التي تملأ نفوس الشباب يأسا وغضبا بدون وجود طرق تنفيس او رؤى صحيحة للمستقبل، مع اوضاع متفجرة اصلا، يجعل المنطقة كلها تعيش على برميل بارود.

وحتى الآن فإن هناك حالة في المنطقة ترغب في تجاهل المشكلة او ان تختفي لوحدها هكذا، وفي الواقع فإنها لا تختفي بل تزداد تفاقما ليس بما يهدد امن واستقرار الواقع الحالي، ولكن بما يهدد مستقبل اي تطور للمنطقة نتيجة لما حدث من تحريف للمفاهيم ومعاني البطولة والشجاعة، فمهما قال شيوخ التبرير فإن استهداف اشخاص عزل وبدون سبب هو عمل جبان وراءه عقول مريضة.

وما ينبغي الاعتراف به هو ان علاج هذا المرض الذي اصاب العقول يحتاج الى ادوية فكرية تستطيع مواجهة الفكر المتطرف وإظهار الجبن والخسة في أساليبه.