السودان.. والحكمة على الضفة الأخرى من البحر

TT

ما كنت أود أن أجعل لمقالي المنشور في عدد الاثنين الماضي بعنوان «السودان في موسم الأعاصير» تكملة أو إضافة، فلقد تحدثت فيه عن خشيتي من أن تدفع الاستفزازات الأميركية المتكررة ـ القائلة بأن السودان سيمتثل في نهاية المطاف لقرار مجلس الأمن رقم 1706 ـ الحكومة السودانية إلى اتخاذ قرارات من نوع ردود الفعل، وتمنيت أن لا تتعجل الحكومة في إنهاء مهمة القوات الأفريقية في دارفور لما يمكن أن يحدثه قرار كهذا من انعكاسات سلبية على علاقة السودان بمحيطه الأفريقي.. وحدث ما كنت أتوقع وأكثر، فلقد جاءت طلائع الاحتجاجات على قرار مجلس الوزراء السوداني بإنهاء مهمة قوات الاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور من داخل السودان، ومن شركاء الرئيس السوداني في حكومة الوحدة الوطنية، فالحركة الشعبية لتحرير السودان نفت مناقشة هذا القرار في جلسة مجلس الوزراء، واحتجت بشدة على طريقة الإعلان عن القرار، وقال كبير مساعدي البشير ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي إن حركته ليست طرفا في قرار طرد القوات الأفريقية من الإقليم، واعتبر القرار بمثابة خرق لاتفاق ابوجا للسلام في دارفور. تلك حتى اللحظة ردود الفعل الداخلية، ولا أحد يدري حجم الخدوش التي سيحدثها هذا القرار في علاقة السودان بالدول المشاركة في القوة الأفريقية.

وحيث أن السودان قد اختار ـ أو فرض عليه ـ الدخول في مواجهة مع مجلس الأمن والمجتمع الأممي من خلال رفضه قرار مجلس الأمن رقم 1706 فإن من أولى الخطوات المنطقية التي يفترض أن تؤخذ في الاعتبار وحدة الداخل، خاصة مع الشركاء الأساسيين في الحكم لكيلا يدخل السودان هذه المواجهة بجبهة داخلية منقسمة على نفسها، فضلا عن أهمية كسب المحيط الأفريقي بدلا من استثارته بطرد قواته بهذه الطريقة المتعجلة، إذ كان أجدى أن تمهد الحكومة السودانية لقرار إنهاء مهمة القوات الأفريقية بالتشاور مع شركائها في الحكم، وبالتفاهم الإيجابي مع الاتحاد الأفريقي، لكن يبدو أن شيئا من ذلك لم يحدث بدليل بيادر الافتراق التي أحدثها القرار في الداخل، والمؤشرات السلبية المحتملة لهذا القرار في الخارج.

قد يتفهم البعض خشية الحكومة السودانية من تحول القوة الأفريقية الموجودة في دارفور إلى نواة للقوات الدولية المزمع إرسالها إلى السودان، لكن ألم يكن بإمكان الحكومة السودانية أن تحقق هدفها في إنهاء مهمة تلك القوة عبر أداء أفضل يحفظ للسودان تحالفاته الداخلية وعلاقاته الأفريقية؟.. أثق أن حكمة أهلنا السودانيين على الضفة الأخرى من البحر ستضع بصمتها نضجا على القرارات السودانية الآتية، فلن تكون استجابة لاستفزازات خارجية أو انقيادا لانفعالات داخلية.. وليحفظ الله السودان.

[email protected]