معاناة الناس في جدة

TT

انتشرت في مدينة جدة في السنوات الأخيرة ظاهرة بيع الوحدات السكنية في العمارات المشتركة، وغدت تجارة رابحة استثمرها البعض بنجاح مستغلا حاجة الكثير من الناس إلى تملك مثل تلك الوحدات لأسعارها الممكنة مقارنة بالفيلات والمساكن الخاصة، لكن ملاك هذه الوحدات يواجهون الآن مشكلات حقيقية لغياب التشريعات المنظمة للخدمات المشتركة في العمارة الواحدة ومدى التزام السكان بحصصهم من تكلفة هذه الخدمات في مدينة تفتقر جل أحيائها إلى الانتظام في وصول مياه الشرب إلى خزاناتها، كما تفتقر إلى خدمات الصرف الصحي، وتلك أمور تفرض على السكان في العمائر التزامات مالية مشتركة لا تنص عليها عقود بيع معظم تلك الوحدات، ويستغل بعض السكان هذه الثغرة للتهرب من تلك الالتزامات، الأمر الذي يضطر ملاك تلك الوحدات السكنية إلى هجرها لتغدو ملاعب للريح والصمت ونسج العنكبوت.

كنت أتمنى على الجهات المسؤولة في هذه المدينة إيقاف إصدار المزيد من تصاريح بيع مثل هذه الوحدات حتى تصلح أحوال هذه المدينة مع المياه، وإلى حين يستقيم أمرها مع مشكلات الصرف الصحي، لأن في استمرار بيع مثل تلك الوحدات في العمائر المشتركة تضحية بأحلام الناس الذين يدفعون مدخرات أعمارهم لتحقيق تلك الأحلام فيكتشفون أن تلك الأحلام تتحول إلى كوابيس ضاغطة تقتات من سعادتهم وفرحهم وتكيفهم، فهذه المدينة في ظروفها الراهنة لا يمكن أن تمنح سكانها سوى المزيد من المعاناة.

إن تاريخ هذه المدينة مع مياه الشرب تاريخ مسكون بالتعب والجفاف، وقد دخلت أزمة المياه أدبيات هذه المدينة وحكاياتها، لكنها كانت في العام 1947 على موعد مع أكبر أحداثها قاطبة حينما وصلت إلى جدة مياه العين العزيزية التي أمر الملك عبد العزيز رحمه الله بإنشائها، فكانت الفرج لسكان هذه المدينة الظامئة التي استطاعت لأول مرة أن تتجاوز مساحة سورها العتيق لتتوسع في كل الاتجاهات.

واليوم تتجدد مشكلة هذه المدينة مع المياه نتيجة الكثافة السكانية الكبيرة التي تعيش فيها، ولا سبيل لتيسير عيش الناس في هذه المدينة، ورفع المعاناة عن كواهلهم، ولتحقيق انطلاقة عمرانية كبرى في هذه المدينة إلا بحل جذري ينهي مشكلتها مع المياه ويضع نهاية لمعاناتها مع الصرف الصحي، فهذه المدينة التي كانت أولى المدن الخليجية انطلاقة مع التحديث فقدت موقعها في المقدمة وغدت تتخبط في مشكلاتها المزمنة في انتظار حلول طال انتظارها.. وحسبنا الله.

[email protected]