الكازينو الإيراني

TT

المشكلة العراقية كبرت وسحبت معها على الواجهة قضايا أخرى مهمة، فلم يعد الأمر مقتصرا على الحفاظ على وحدة العراق السياسية والجغرافية أو السيطرة على مخرجات التطرف وآليات الإرهاب المتسارعة والتي تزداد قوة وشراسة، ولكن الأمر يتعلق بتدخل إيراني بالغ الخطورة في الشأن العراقي. هناك احتلال أمريكي واضح وهناك ادارة متعددة تفتقد للحكمة والروية تدير هذا الاحتلال، ولكن التدخل الايراني (الذي لم يعد من الممكن اطلاق عليه مسمى تدخل ببراءة فقط!)، هذا التدخل اصبح مصدر قلق لموازين القوى الاقليمية، ويأتي هذا التدخل المتزايد وسط استمرار الحديث عن العقوبات المنتظرة والتهديدات الملوح بها ضد ايران طالما استمرت في برنامجها النووي. ولكن ما هي الاوراق المعروضة على الطاولة في استعراض العضلات والتصريحات بين ايران والغرب (وتحديدا الولايات المتحدة)؟ واقع الأمر أن حرب أمريكا العشوائية على الارهاب، قدمت من دون قصد أهم هديتين لإيران، فلقد أزالت من على حدودها أشرس نظامين يعاديانها، وهما نظام طالبان في أفغانستان، ونظام صدام حسين في العراق من دون استبدال نظامين مستقرين فيهما القوة والثقة بهما. وهذا التغيير أعطى ايران «الحرية» للتحرك في العمق العراقي (وهو الأكثر اغراء), إذ فيه التركيبة الديمغرافية الملائمة وفيها «الجزرة» الأشد إغراء (نفط جنوب العراق). وعلى الرغم من التلويح بالحل العسكري، إلا أن هذا الأمر صعب جدا بالنسبة لأمريكا، فوجود أكثر من مائة وعشرين ألفا من جنودها كهدف سهل بالنسبة لأسلحة ايران البيولوجية أو التقليدية، سيجعل هذا الأمر مجازفة صعبة على إدارة بوش التي تتعرض لأسوأ انتقادات شعبية واعلامية، وبالتالي نظريا لا يمكن أن تقدم أمريكا على ضربة عسكرية ضد ايران الآن، إلا في حالة انسحابها من العراق (وهو ما تعهد بوش بعدم القيام به).

ولم تستطع الادارة الامريكية «بيع» فكرة ضرب ايران لاسرائيل (لأن اسرائيل ترى أن أمريكا هي الأجدر بالقيام بذلك بعد سابقة العراق). فكيف سيكون المخرج من هذا المأزق؟ المبدأ الواضح الآن هو أن المجتمع الدولي لن يسمح بأن يكون هناك نظام ديكتاتوري ثوري، يكون لديه أداة يرهب بها جيرانه (مع عدم اغفال أن وضع اسرائيل والسماح لها بتملك السلاح النووي يبقى وضعا غير عادي وشاذا)، وبالتالي قد تكون الصفقة تتعلق بـ«السماح» لإيران بأن تصبح لاعب النفط الأول في العالم، بحصولها على نفط جنوب العراق لقاء تنازلها عن البرنامج النووي تماما. صفقة «غريبة» وغير قابلة للتصديق؟ قد يكون ولكن الاحداث التي تحصل في العراق والتي حدثت في لبنان، تؤكد أن هناك أدوارا جديدة للاعبين التقليديين في ساحة الشرق الأوسط. لعبة ايران الخطيرة هي مقامرة، وليست مغامرة ويبقى السؤال .. هل ستكون الأطراف الثانية على استعداد لتكملة اللعبة ودفع الرهان؟!

[email protected]