هي الأرض مقابل الناتو إذن !

TT

كان أداء رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت افضل مما قيل عنه في حربه ضد حزب الله، كما ان الأمر الأكثر أهمية هو ان الوضع الذي بدأت تظهر ملامحه في جنوب لبنان حاليا يمكن ان يقدم نموذجا جديدا تماما فيما يتعلق بعملية حفظ السلام.

فيما يتعلق بأولمرت، لم يكن من السهل ادارة هذه الحرب. إذ لم يكن هناك سبب على الإطلاق يدفع حزب الله لشن هجوم 12 يوليو (تموز) عبر الحدود اللبنانية ـ الاسرائيلية المعترف بها من جانب الامم المتحدة، وهو الهجوم الذي اسفر عن مقتل ثمانية جنود اسرائيليين وخطف اثنين. في هذا الجانب لم يكن هناك سبب للحرب، أي انها كانت حول لا شيء.

ولأنها كانت حول لا شيء، كانت ايضا حول كل شيء. اذا هاجم حزب الله اسرائيل ـ بدون سبب ـ وزعم ان من بين اهدافه تحرير القدس مع استخدام الصواريخ التي يزوده بها النظام الايراني الذي يقول ان اسرائيل يجب ان تمحى من الخارطة، فإن الحرب في هذه الحالة حول كل شيء، وعلى اسرائيل ان ترد بقوة وحزم.

لذا فإن قياس الرد، او الاستجابة الصحيحة، كان امرا صعبا في الاساس. وفي نهاية الأمر قرر أولمرت قصف البنية التحتية لحزب الله ومنازل أتباع حزب الله، وهذا كان امرا مأساويا ولكن كان حتميا، اذ كان مقاتلو حزب الله مندسين وسط هؤلاء.

كان الرد الاسرائيلي قاسيا، لكنه بعث برسالة رادعة تلقاها الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله، اذ قال في مقابلة له مع تلفزيون «ان تي في»: «اذا عرفت في 11 يوليو ان العملية ستقود الى مثل هذه الحرب، هل كنت سأفعل ذلك؟ لا، بالتأكيد لا». كما يعتقد نصر الله انه لم يكسب الحرب مثلما يجب ان يتلقى منا اشادة على أمانته. مَن مِن القادة العرب انتقد نفسه بهذه الطريقة؟

حديث نصر الله جاء كرد فعل على الأصوات اللبنانية التي كانت تقول: «شكرا على منح 12 الف دولار للأسر التي فقدت منازلها في القتال، ولكن اذا انفقت ذلك المبلغ على المدارس والوظائف، بدلا عن هذه الحرب الغبية، سنكون جميعا افضل حالا».

نجاح كوندوليزا رايس ووزير الخارجية الفرنسي في تأمين قوة سلام دولية للعمل في جنوب لبنان يعتبر انجازا رئيسيا على جبهتين. اذا نجحت قوة السلام في اداء مهمتها، فإن حزب الله لن يكون قادرا على مهاجمة اسرائيل على نحو مباشر في ظل وجود 15 الف جندي وضابط من فرنسا وايطاليا والهند وتركيا. هذه مشكلة استراتيجية جديدة تواجه كلا من حزب الله وإيران وسوريا، إذ لن يستطيع هؤلاء ضرب اسرائيل بدون الإضرار بعلاقاتهم مع الاتحاد الاوروبي.

إلا ان السؤال الأكثر اهمية هو: ماذا تعلمنا خلال السنوات الاخيرة؟

اولا، احتلال اسرائيل للضفة الغربية وغزة ولبنان امر لا يمكن استمراره. ثانيا، اللبنانيون والفلسطينيون لم يتوصلوا بعد للعمل بصورة موحدة فيما يتعلق بالسيطرة على مناطق الحدود عند مغادرة اسرائيل، سواء كان بموجب بنود اتفاقية اوسلو او اذا كان ذلك انسحابا نهائيا من جانب واحد. نتيجة لذلك لم يكن السلام «الارض مقابل السلام» وإنما «الأرض مقابل الحرب».

عندما تنسحب اسرائيل من غزة ولبنان والضفة الغربية ستحتاج الى ان تكون هناك بنية سلطة يمكن الاعتماد عليها في الجانب الآخر، وهو امر لا يستطيع الجانب اللبناني او الفلسطيني توفيره.

كما اشرت سابقا، ربما تصبح قوة حفظ السلام في لبنان نموذجا جديدا، وهي ليست «الارض مقابل السلام» ولا «الارض مقابل الحرب» وإنما «ارض مقابل الناتو». تنسحب اسرائيل وسيتم تأمين الحدود بواسطة قوة تبدو من الخارج تابعة للأمم المتحدة ومن الداخل تابعة لحلف شمال الاطلسي (الناتو).

ويقول خبير العلوم السياسية الاسرائيلي يارون إزراحي انه يجب ان تثبت هذه القوة ان نزع السلاح في جنوب لبنان يمكن ان يوفر لإسرائيل امنها وللبنان السيادة وشريكا دوليا فاعلا للمحافظة على النظام. اذا حدث ذلك، فإنه سينعش فرص التوصل الى اتفاق فلسطيني ـ اسرائيلي في نهاية الأمر حول الضفة الغربية وقطاع غزة.

نعم، الفرص ضعيفة ولكن ربما يظهر شيء ايجابي من هذه الحرب غير المفيدة في لبنان.

* خدمة «نيويورك تايمز»