هل نروض وحش الإرهاب.. أم نقلم أظافره..؟!

TT

يمكن القول إن موضوعة الإرهاب لا تزال بعد مرور خمس سنوات على ذكرى جريمة الحادي عشر من سبتمبر الشغل الشاغل على الساحة الفكرية في العالم، في محاولة حثيثة لفهم حدث أسطوري كالذي جرى من خلال ربطها بالظاهرة العنفية ذاتها.. هذه الظاهرة التي يجب أن تقرأ عبر استنطاق جذورها الحقيقية بعيداً عن كل الحمولات السياسية والاقتصادية التي يتم التعويل عليها في تحليل مشكلة التطرف الديني، دون أن يكون لها ما يكفي من مبررات وشواهد على أرض الواقع، بل العكس يثبت الواقع بطلانها وتناقضها مع شخصيات وسلوك وسيرة الشباب الذين انخرطوا في الفكر المتطرف.

مع مرور كل هذه السنوات، لا تزال هناك نظرة تبسيطية للإرهاب الذي يعتبر الخطر الأول الذي يهدد استقرار العالم كله، وليس دولاً أو مناطق بعينها. هذه النظرة التبسيطية تحاول أن تنزع الإرهاب عن محضنه الأساسي وهو الفكر المتطرف، الذي يستخدم شعارات دينية مزورة بهدف تمريرها على المجتمعات الإسلامية، التي لديها استعداد فطري لتقبل وتصديق ما يقال من محتوى الدين، حين يكون بعيداً عن كل رقابة أو برامج توعوية مضادة، تحاول أن تحارب هذا التطرف بذات اللغة وتنازعه ذات المفاهيم، وتنقض أطروحاته بنفس الأدوات والمنهج.

الإرهاب على الأقل في أغلب أشكاله المعاصرة التي نشهدها اليوم، هو وليد الفكر الديني المتطرف. ذلك أن الفكرة العنفية ظاهرة معقدة تتداخل فيها عوامل مختلفة لإنضاجها وإيصالها لمرحلة التنفيذ، ومع أن التركيز الإعلامي والبحثي على الأقل حتى الآن يتمحور حول العنف المسلح فقط، وكأنه حدث عرضي مقطوع الصلة بما قبله، مع أن كل متابع لمسيرة الحركات العنفية منذ حركة الخوارج التراثية، إلى الحركات المقاتلة اليوم، يدرك أن الانخراط في عمل إرهابي يعد الخرزة الأخيرة في سبحة التطرف الطويلة. وعليه فلا يمكننا عزل مرحلة التكوين التأسيسية للفكر المتطرف عن مرحلة التنفيذ لأي عمل إرهابي قد يكون على وقف التنفيذ لأي اعتبارات شخصية أو لوجستية، يمكن أن تتغير بتغير ظروفها الموضوعية.

التطرف «حالة شعورية» في الأساس تتمثل في ذلك الجرح النرجسي الحاد، بسبب الغربة عن المفاهيم الإنسانية العامة التي يحاول العالم أن يجمع عليها.

هذا الجرح النرجسي الذي تعددت مظاهره وتشعبت نتائجه حتى غدا من التعقيد والتشابك، ما يجعل حصر مسبباته ضرباً من التبسيط والسذاجة الفكرية.

إلا أن ثمة سبباً يعتبر اللاعب الرئيسي في التحول من حالة الرصد للوضعية المتردية الراهنة إلى الهروب من المشكلات من خلال انتاج وعي زائف، يعلق مشاكلنا على مشجب الآخر بل ويجعلها حصرياً نتائج طبيعية لمؤامرات معقدة، مما يستلزم البحث عن مخلص تختلف أوصافه من طرح لآخر.

فهو عند التقليديين عودة سحرية إلى الماضي تتم من خلال الانطلاق من القاعدة الشعبية للمجتمع، وصولاً إلى الأعلى، من خلال مقولات سلوكية تطهرية تبعث على المزيد من الاغتراب، وصولاً إلى حالة الانعزال عن المجتمع وإشهار سيف التكفير على المخالفين دولاً وأفراداً، ومن ثم اتخاذ القرار بضرورة إجراء خطوات أبعد في محاربة هذا العالم المدنس، ولو عبر الانتحار وقتل الذات انتصاراً لآيديولوجيات راديكالية قررت أن تغير واقعها بالقوة، وبلغة الدم وقطع الرؤوس وسحل الأجساد.. ثم الاستعراض بهذه المناظر الوحشية أمام العالم كله عبر بوابة الثورة الإعلامية والفضاء المفتوح.

مع كل الجهود الأمنية التي يتم بذلها، والتي بدأت تحاصر هذه الجماعات المسلحة بشكل كبير، فإن الحل الشامل يكمن في تتبع هذه الأفكار وقراءتها ومسبباتها بشكل واع، ينظر إلى قضية الإرهاب كمؤرق للأمن والسلام الذي ينشده العالم بأسره، ودون قراءة نقدية واعية لتلك الأفكار التي تسمم عقول الشباب الصغار، الساخطين على واقعهم، تلك الأفكار التي تنمو في دواخلهم لتصبح وحشاً كاسراً نحن في أمس الحاجة إلى ترويضه دون الاكتفاء بتقليم أظفاره!

[email protected]