فلسطين وإسرائيل: لا بد من تجرع السم

TT

يبدو الشرق الاوسط اقرب الى حافة الفوضى مع مرور الاعوام. فالقيادات السياسية في المنطقة، من عمان الى القاهرة الى الرياض والقدس، ينظرون الى الدمار في لبنان ويتساءلون من هي الدولة التالية. فانتشار اسلحة الدمار الشامل، بالإضافة الى انتشار المجموعات العسكرية غير النظامية، تهددهم كلهم. وفي الوقت نفسه، فإن امكانات التوصل الى حل سلام دائم وعادل في المنطقة تزداد صعوبة بطريقة لا يمكن تخيلها.

ويعني ذلك ان السلام الدائم بين اسرائيل وجيرانها يجب ان يتحقق دون تحديد نصي لكلمة «عادل». ولسوء الحظ هناك واقع ان التوصل الى اتفاق لن يصحح كل خطأ، ويعالج كل جرح، ويقضى على كل خطيئة، او يعوض كل مظلمة. فهناك الكثير جدا من الادعاءات الصادقة والمتناقضة للعدل من جميع الجوانب.

والطريقة الممكنة للهرب من حجرة الفوضى المغلقة، استخدمها بنجاح الرجل الذي يعتبره معظم الغربيين كأب للراديكالية الدينية المعاصرة: آية الله روح الله الخميني. ففي عام 1989، وبعد سنوات من اعلان «الجهاد» ضد العراق، شعر الخميني ان أمته على شفا الانهيار وانها تفقد شبابها ومواردها بسرعة. وقال لساسته ولشعبه ان الوقت قد حان «لابتلاع السم» وتحقيق السلام. واستمر السلام حتى الوقت الراهن.

وهناك سوابق اخرى على «ابتلاع السم»، كما شاهده واحد من كاتبي هذا التعليق خلال المفاوضات الاخيرة الى ادت الى اتفاقية السلام في ايرلندا. وهي الاتفاقات التي انهت العنف في ايرلندا الشمالية ـ وهو نزاع عرقي ديني لا نهاية له ـ وتم عبور العقبة الاخيرة عندما قبل الجانبان مبدأ الافراج عن قتلة جنود ومليشيات والابرياء من الجانبين. وكان ذلك حبة دواء مرة، لا سيما بالنسبة لأرامل ويتامى القتلى، لكنها لم تكن حبة دواء قاتلة. واصبحت المنطقة خالية، بصفة عامة، من العنف الارهابي طوال 10 سنوات.

وبالقرب من الشرق الاوسط يتذكر واحد منا جده الذي شارك، عندما كان ضابطا في الجيش الملكي اليوناني في عام 1921، في الحرب مع تركيا في غرب الاناضول. وقد ادى السلام الى مظالم هائلة وطرد سكان ونقلهم بين المناطق. ولم تترك الحكومتان المشردين في مخيمات لاجئين وهو الامر الذي يمكن ان يثير اليأس والغضب لأجيال قادمة، بل جرى استيعابهم كمواطنين. ربما بقيت الذكريات والغضب، ولكن العنف تلاشى. والنتيجة لم تكن صداقة بالضبط «وان كان الطرفان من اعضاء الناتو» وبوادر حرب حول قبرص، ولكن 90 سنة من السلام على الحدود بين تركيا واليونان.

والطريقة الوحيدة، في الشرق الاوسط اليوم للتوصل الى اتفاقية نهائية هي قبول الاطراف المسؤولة في الجانبين ـ بدعم من الاطراف الراغبة، سواء العربية او الغربية ـ بقبول حلول الحلول التامة مائة في المائة التي يطالبون بها الآن. وبالنسبة للاسرائيليين فإن السم هو الانسحاب من كل وأي اراض حددتها قرارات الامم المتحدة باعتبارها «محتلة»، من مزارع شبعا الى مرتفعات الجولان وحتى قدس ما قبل 67. وبالنسبة للعرب، فإن السم سيكون التنازل عن «حق العودة» بالنسبة للاجئين 1947/1948 وورثتهم «وان كان من حقهم الحصول على تعويضات مالية» . وهناك مراقبة وسائل اعلامهم لخفض بروباغندا الكراهية التي يمكن ان تتسبب في حروب في المستقبل.

ثم توطين اللاجئين في البلاد التي يعيشون فيها او في فلسطين الجديدة. ويحتاج كل من الجانبين الى الافراج عن جميع السجناء حتى قتلة الابرياء.

وفي اطار ردة الفعل على هذه المقترحات سيظهر العديد الذين سيستنكرون «خيانة القضية» ومن يتحسر على عدم عدالة ذلك ومن يذكر قوائم جرائم الماضي. والرد المعقول الوحيد على ذلك هو مواجهته بسؤال آخر: هل من الافضل استمرار الموت والتعاسة للأبد، وتصاعدها باستمرار؟ ما نواجهه ليس اختيارا بين السلام والعدل، بل بين السلام والدمار.

* جون برغس، تقاعد بعد 25 سنة قضاها في وزارة الخارجية الأميركية وهو الآن يكتب عن المنطقة في مدونة CROSSROADS ARABIA

* دافيد برلموتر أستاذ وعميد مشارك لدراسات الخريجين والأبحاث في كلية الصحافة وعلوم الاتصال. وهو مؤلف كتاب «مشاهد الحرب» ويكتب في مدونة policybyblog.seqarespace.com

ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»