صاحب الأنا في دبلن

TT

كان كتاب «اهالي دبلن» اول كتاب وضعه جيمس جويس. لكن نشره تأخر نحو 15 عاما. فقد خاف الناشرون ان يقاضوا، لأن جويس يفضح بعض الاحياء في المدينة، كما خافوا التعرض للنقد بسبب بعض التلميحات الجنسية التي كانت اوائل القرن العشرين محظورة تماما، بعكس ما هي اوائل هذا القرن.

كان جويس عندما وضع الكتاب في اول دخوله الحياة الاجتماعية في مدينة كان تعدادها 200 الف نسمة، وكانت تعاني من القهر في ظل الحكم البريطاني. وقد استعار لابطال قصصه القصيرة اشخاصا من محيطه وحتى من اقربائه، وبينهم عمتاه، واثار ذلك اهل دبلن عليه.

وبين ابطال جويس رجل تدور الكرة الارضية حوله. قلت وفعلت ورأيت وتبرعت وسبقت وانا الاول وانا الاخير. ويجول بطل جويس في دبلن وحاناتها وملاعبها ويحدث الناس عن ثروته. والناس فقراء. ويحدث الناس عن اسفاره واهالي دبلن لا يملكون شلنا اجرة الترام حول ضفتي نهر الليفي. ويقف وسط الحانة دون مناسبة ودون ان يسأله احد ويقول انه اوصى على عربة جديدة ليس مثلها في المدينة. ويستوقف الغرباء في الشوارع ويحدثهم عن خيوله.

وكلما عاد من سفر امضى عاما كاملا يتحدث عن فخامة الفنادق التي حل بها، بادئا حديثه دائما بالقول: «اهالي لندن يعرفون طبعا انني انزل في السافوي منذ اكثر من ربع قرن».

لكن كالاهان كان قبل ربع قرن فقيرا مثل بقية اهل دبلن. وكان مثل اكثرهم لا يحلم بركوب الترام الا في العطلات والاعياد. لكن ها هو الآن يصر على ان حياته تبدأ في مكان آخر وعام آخر. ولذا فإن كل شيء عنده عمره اكثر من ربع قرن أقل وهي المدة الدنيا المطلوبة للاعتراف به في الطبقة الجديدة.

يحذر كالاهان الطبقة الجديدة ويكره من حيث اتى. ولذلك يعيش هاربا بين عالمين وخائفا ان يلتقي احدهما وجها لوجه. ويقرر ان يطبق على الأنا التي فيه وان يعيش ضمنها لا حليف سواها. يغيب كالاهان طويلا في اقليم كلدير، ثم يعود ليروي انه كان في الهند. ويريد ان يبدو دائما اعلى من سامعيه ولذلك تدور كل حكاياته على ظهور الافيال واعالي الشجر حيث اصطاد النمور مع الدوق اورليان في رحلته الاخيرة بين الهند وبلاد الافغان. ويعدد كالاهان الامراء والمهراجات الذين تقدموا لمصافحته والتعرف اليه والاصغاء اليه يتحدث عن مستقبل العالم.

كتب جويس «اهالي دبلن» بلغة ايرلندا في تلك المرحلة وتعابيرها وصورها. وعندما ذهبت الى دبلن خلت انني ارى اشخاصه في كل مكان. والمستر كالاهان متمخطرا على الضفة اليسرى من الليفي. وكنت اظن الليفي نهرا عظيما مثل السين. لكنه مثل المستر كالاهان. اقل بكثير مما يقول واجف مما نعتقد.