غلطان.. وأنت صح يا أستاذ!

TT

من قراءه سريعة للهيئة الفلكية في نصف الكرة الشمالية في شهر يونيو الماضي وقعت عيناي على اسم صغير. توقفت. وقبل أن أقول لنفسي: إنني عثرت على غلطة، أعدت النظر وأتيت بعدسة مكبرة.. ورأيت، وكدت أقول: غلطة. أضبط غلطة!

وفي نفس الوقت تعالى في داخلي صوت احتجاج على هذا القرار المتعجل الطائش: يستحيل أن تكون هناك غلطة في خريطة علمية رآها وراجعها عدد من العلماء وطبعت بمئات الألوف في العالم.. وقرأت السنة التي طبعت فيها الخريطة فكانت من سنتين. ولم أقرأ في المجلات الفلكية والعلمية التي أطالعها تصحيحا لهذا الخطأ!

ثم عدت إلى الخريطة مرة أخرى.. وراجعت الأسماء ورجعت إلى كتب فلكية ولم أجد هذا الاسم الذي توقفت عنده، وساورني الشك. ولكن بسرعة طردت هذا الوسواس على أساس أن معلوماتي الفلكية متواضعة وأنه لا يحق لمثلي أن يجتهد بأنه وجدا خطأ أو اكتشفه. وفي نفس الوقت نفيت عن نفسي تهمة الجهل.

وذهبت إلى صديق من علماء الفلك وعرضت عليه الخريطة. ووضعت إصبعي على الاسم فسألني: ماذا في هذا الاسم؟ قلت: ألم تلاحظ؟ قال: ماذا؟ قلت: اسمها «سحابة نجمية م24» وليس نجمية فقط كما هي في الخريطة!

وأتى بمنظار مكبر فوجد ان اسمها «م24» فأنا غلطان! وابتلعت ريقي.. وسكت فأنا الذي لم يرها بوضوح!

وأذكر أن أستاذنا عباس محمود العقاد كان يهاجم «مسرح العبث» لأنه رجل منطقي وانه ينتسب إلى مدرسة الفيلسوف الإنجليزي بيرتراند رسل ـ مدرسة التحليل المنطقي. ومسرح العبث قائم على اللامنطق واللاعلمي، والعقاد مؤمن بعلم المنطق والتحليل العلمي، ولكن جاءت في مقال العقاد غلطة، فمن المؤكد أن العقاد لا يعرف اللغة اليونانية القديمة التي أعرفها ولذلك فقد جاءت في المقال كلمة «باتا ـ فيزيك» بدلا من «بارا فيزيك» وقلت: غلطة يا أستاذ!

ولم أجرؤ على أن أكتب عن هذه «القفشة»، وسألت سكرتيره ابن أخيه، عامر العقاد، وقلت له سعيدا بذلك، وحجتي أن كلمة «بارا» تعني قريبا من كذا أو ضد كذا.. «باراشوف» أي ضد السقوط. وجاءني عامر العقاد يقول لي: الأستاذ يقول لك أنت غلطان، ففي اللغة اليونانية بارا وباتا بمعني واحد.

أرجع إلى كتاب فلان وأقرأ الفصل الثاني وعنوانه. باتا فيزيك!

وبسرعة عدت إلى البيت وفتحت الكتاب على الفصل الثاني.. أنت صح يا أستاذ!