هنية والعرب والقضية

TT

ربما لدى رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية شيء من الحق في الشك في كل ما يدور حوله، يظن ان هناك مؤامرة تحاك في الظلام هدفها اقصاء حماس. وفي المقابل خالج شك بعض الفلسطينيين والعرب حول هنية، حماس والحكومة، من أنه حصان طروادة خشبي دلل عليه بالتحالف سياسيا مع ايران فور كسب الانتخابات. ومنذ ذلك اليوم والطرفان يقفان على الرصيف في انتظار ممل.

الحكومة تنتظر ان يذعن الآخرون لفوزها ويقبلوا بها ماديا وسياسيا. والبعض من العرب ينتظر ان تكبر حماس وتكتشف ان العلاقات تحتاج دائما الى طريقين لا واحد، وان تثبت بحسن العمل حسن النية. مرت على الحكومة والآخرين معها نصف سنة من الانتظار، والمقاطعة، والعناد، والتحالفات المتضادة. ولأن الطرفين لم يمنح أحدهما الآخر فرصة للتواصل لم يطرأ تقدم، وباتت حماس محاصرة والحكومات العربية المعنية عاجزة عن الحركة. ربما لا يدري هنية شخصيا ان مسؤوليته أكبر لأنه الاكثر قدرة على دفع الأمور الى الامام، فالمفتاح بيده لا بيد غيره. له ان يجلس على قارعة الطريق ولن تصل القوافل الى نهاية الحكم المنتخب. الحقيقة هنية ملك لا يدري بعد اهميته. اليوم العرب، رغم تلكؤهم، اكثر استعدادا لدعم حماس الحكومة من دعم فتح يوم كانت في السلطة ان ارادت قيادة قطار السلام لمصداقيتها، وشعبيتها، ونجاحها الانتخابي، ونزاهة كوادرها، وكونها تمثل الخط الاكثر رفضا. بيت القصيد ان السلام، كما اكتشف محافظو الليكود في صراعهم مع العمل في اسرائيل، فرصة حماس ومصدر قوتها اكثر من الحرب. حماس لبست اول من اخافها السلام فهي جاءت من نفس الاماكن وبنفس النتائج التي قادت كوادر اليسار الفلسطيني والوسط نحو نفس النقطة بالتخلي عن الكفاح المسلح مقابل عرض عادل للشعب الفلسطيني. يقتضي واجب المسؤولية من حماس، كحكومة لا حركة، ان تنظر الى عموم الفلسطينيين وطموحاتهم، والوضع العربي والدولي، فتتخذ قرارا تاريخيا بالتقدم او التوقف، بالسلام او الحرب. ولا يحتاج قادة حماس أن نذكرهم بالمنسيين في المخيمات وبيوت الصفيح في انحاء دول الجوار، ولا المعذبين من اهاليهم في بلدان عربية لا يسمح لهم حتى بالخروج من مخيماتهم، وان سمح لهم لا يعطون فرصة العمل والحياة الكريمة ، وان وجدوا شيئا منها لا يعاملون كبقية خلق الله عند ابواب الجوازات، يحال دون سفرهم حتى الى زيارة اهاليهم، وفي بعض البلدان العربية يقبعون في السجون منذ عشرين سنة.

ان وضع الخارج مؤلم، ووضع الداخل اكثر ايلاما، والجميع في انتظار قائد فلسطيني يثقون به لضمان حقوقهم. لهذا السبب ربما لم يفهم هنية موقف الدول العربية المعنية التي، وان لم تصرح به، تراه مطلوبا فلسطينيا اولا، وعربيا ثانيا، ودوليا ثالثا، ليحقق ما عجزت عنه القيادات الفلسطينية الأخرى. يعرفون انه يعني للكثير من الفلسطينيين الثقة، والضمانة، والمهمشين، والمحاربين. بصفاته الكبيرة يمكن ان يقود مواطنيه الى دولتهم اكثر من أي فلسطيني آخر مستفيدا من قناعات الجميع به، بمن فيهم الذين يختلفون معه كفتح، ويرتابون في برنامجه كالعرب الآخرين. في المقابل إن لم يفعلها يكون قد خيب، ولا نقول خان، تطلعات الكثيرين الذين يريدون سلاما بدولة، ويريدونها من خلال جهة اكثر ثقلا وقدرة على المفاوضة، والكسب، والحفاظ على المصالح الرئيسية، والحقوق الكاملة. حتى الآن، الحماسيون بددوا الكثير من الوقت للبرهنة على امور معروفة سلفا.

[email protected]