أزمة البابا

TT

اليمين المسيحي الاصولي المتطرف في الولايات المتحدة لا يعتبر المذهب الكاثوليكي مذهبا أصيلا، ولكن يعتبر تابعيه مجموعة مارقة (CULT)، ومع ذلك، ورغم هذا الموقف الحاد والمتعصب، فقد رحب أهم رموز اليمين المسيحي الامريكي بانتخاب الفاتيكان الجديد وقتها بنديكتوس السادس عشر لأنه يتبع النهج الاصولي وهو «تقليدي» و«متشدد». وقد كان من المفروض أن يكون هذا الترحيب بمثابة إنذار لما هو آت وقد كان.

تصريح بابا الفاتيكان الاخير لا يمكن إدراجه ضمن الهفوات أو اللقطات الساخرة التي تعرض في البرامج الفكاهية وعن مقالب المشاهير، ولا يمكن تداوله عبر رسائل البريد الالكتروني على أنه «طرفة» على لسان أحد الرموز والقادة المعروفين، الأمر هنا مختلف، فتصريحاته تعبر عن موقف مهم، من رمز كبير، تجاه دين ونبي ينتمي اليه مليار ونصف المليار مسلم، وهذا النوع من التصريحات يدخل ضمن ما يُصنف بالتصريحات الجاهلة، وهو بما صرح به لا يختلف عن العديدين. ومن قبله كان أدولف هتلر ينادي بسموِّ العِرق الأبيض على سائر الاعراق، وخصوصا الافريقية منها.

لا شك أن تصريحات كهذه تساهم وبقوة في سكب الزيت على نار هائجة بين الغرب والإسلام، لا فرق بين اسامة بن لادن وأيمن الظواهري برشاشاتهما من كهوف تورا بورا أو من منبر مذهب عليه شعار القديس بولص يصرح من فوقه الرمز المسيحي الأهم، كلا الطرفين يقدمان للعالم ذخائر كلامية من الدمار الشامل.

الاعتذار الذي قدمته الكنيسة الكاثوليكية لليهود بعد مئات السنين، هل سينتظر المسلمون نفس الفترة حتى تقدم الكنيسة مثله، لا أظن، فالوضع اليوم أكثر خطورة وأبلغ أهمية وغاية في التعقيد والحساسية، خصوصا في ظل ندرة كبيرة من الحكماء على الساحة الدولية. البابا الراحل يوحنا بولص كان يتسم بالذكاء والحكمة وحس تاريخي، وعُرِفَ بأنه أكثر البابوات ايجابية لصالح الاستقرار العالمي، لكن البابا الجديد يبدو أنه مصر على المضي بأسلوب مثير يفرق بين سائر الأمم.

اعتقد أن الكنيسة الكاثوليكية، اذا ما ظل اسلوب البابا الجديد هو السائد، ستتعرض لهزات لم تشهد مثلها من قبل، وهناك حديث عن عشرات من قضايا الشذوذ الجنسي ضد رجالاتها وهبوط غير مسبوق في عدد الراهبات والقساوسة الراغبين في الالتحاق بها، ومعاداة «سياسية» لها في أكثر من دولة محورية حول العالم.

واليوم، ولحماقة غير مسبوقة، تقرر، عبر تصريحات حبرها الاعظم، فتح جبهة ضد مسلمي العالم.

في النهاية أقول: على حكماء الكنيسة تدارك الموقف وحل الموضوع باعتذار فوري لاغلاق ملف ملتهب.

[email protected]