سبتمبر: كشف حساب

TT

مرت الذكرى الخامسة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر قبل أيام، ولعل من المفيد استعراض النتائج التي تتجاوز الخسائر المباشرة لتلك العمليات:

هناك رأي يقول بأن تلك الهجمات كانت بداية النهاية للقاعدة ولفكر التطرف والإرهاب بشكل عام، فقد وضعت القاعدة أصبعها في فم الأفعى وتحدتها أن تعضها، فكان ما كان: سقوط نظام طالبان الذي كان يؤوي القاعدة، وفرار قياداتها وقتل واعتقال بعضهم.

كما سقط نظام صدام، وبدأت كثير من الدول العربية بمراجعة سياساتها، فتعدد مرشحو الرئاسة في مصر واليمن لأول مرة، وصوتت المرأة وترشحت في الكويت، وجرت انتخابات في السعودية وقطر والبحرين وأخرى في طور الإعداد في دولة الإمارات العربية المتحدة.

كما سخرت أكبر قوة عظمى في العالم كل ما لديها لتجفيف تمويل الإرهاب، الأمر الذي لا تستطيع قوة غير الولايات المتحدة القيام به لهيمنتها المصرفية والمعلوماتية على النظام الاقتصادي العالمي، وبدأت منظمات جمع الأموال تظهر حساباتها وتستجدي الولايات المتحدة صكوك الطهارة لأموالها التي تقول دوما بأنها للأعمال الخيرية البحتة.

كما بدأت كثير من الدول العربية والإسلامية الحديث عن ضرورة مراجعة مناهجها التعليمية ومراكزها الدينية التي كانت تولد فكر التطرف الذي يجند الإرهابيين. في حين كان مجرد الحديث عن ضرورة مثل هذه المراجعة يشعل حروب التكفير والخيانة قبل الحملة الأمريكية على الإرهاب.

لكن هناك رأيا ثانيا يقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية خسرت حروبها «الهوجاء» ضد الإرهاب، وكشفت عن وجه آخر يخالف مبادئها في الحرية والديمقراطية، ومارست في غوانتانامو ما تخجل منه الدكتاتوريات العتيدة، وخسرت الحرب في العراق، فلا استقرار ولا ديمقراطية، وبدأت مظاهر الفشل لمشروعها في أفغانستان في الظهور، فعادت فلول طالبان عودة قوية على شكل ضربات تستهدف قوات الناتو بعد أن أوهمت الولايات المتحدة العالم بأنها قد قضت على نظام طالبان قضاء تاما.

على الصعيد اللوجستي، لم تستطع أمريكا إيقاف جمع الأموال «لأعمال الخير»، بل إنه «زايدن داعج العين بهبالي»، أي أن جمعيات جمع الأموال أكثر مما كانت وأموالها أكثر مما جمعت.

وعلى صعيد تجفيف الفكر المتطرف، فلا يزال في صعود وانتشار عبر الفضائيات والمراكز الدينية والدعوية من ماليزيا وحتى المغرب مرورا بباريس وأمستردام ولندنستان ومعظم العواصم الأوروبية.

وعلى صعيد الحريات أصبحت الولايات المتحدة شبيهة بدكتاتورية من دكتاتوريات العالم الثالث تمارس القمع والرقابة والمراقبة والتفتيش بناء على قانون لمكافحة الإرهاب سنته باسم «قانون الوطنية» PATRIOT ACT. الأمر الذي رأت فيه القاعدة نصرا لها لأنه غير أسلوب حياة أمريكا AMERICA"S WAY OF LIVING

كما فشلت أمريكا فشلا ذريعا في تجفيف منابع التعبئة الإرهابية في العراق وفي فلسطين باستمرار القهر الإسرائيلي على حساب الحق الفلسطيني وفشل مشروع الدولتين للسلام.

ولكن هناك رأيا ثالثا بين الرأيين السابقين، لا يرى نصرا مؤزرا على الإرهاب، ولا يرى هزيمة نكراء للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب.

ويرى هذا الرأي أن الحرب على الإرهاب رافقتها إخفاقات كبيرة، ولكنها حققت إنجازات كبيرة أيضا، فلولا هذه الحرب، لكانت القاعدة تسرح وتمرح بدون رادع ولكانت جرائمها التي قامت بها نقطة في بحور من الدماء حالت هجمات سبتمبر دون إراقتها.

ويبرر هذا الفريق أن الحرب على الإرهاب ليست معركة واحدة، بل هي معارك على أصعدة وجبهات متعددة: سياسية وعسكرية واقتصادية وثقافية وفكرية... إلخ. ولذلك فمن الوهم الاعتقاد بإمكانية الانتصار بين يوم وليلة وبأن الحرب مستمرة.

سوف يراجع العالم أحداث سبتمبر كل عام لاستقراء آثارها وتبعاتها وستستمر هذه المراجعة سنين قادمة طويلة.