حكومة الوحدة الفلسطينية.. رسائل متعددة

TT

مرَّ عام على الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة، ففي الثالث عشر من ايلول من العام المنصرم 2005 تم تفكيك اهم معالم الاحتلال الاسرائيلي والمتمثل بالمستوطنات الاسرائيلية وترحيل نحو سبعة الاف مستوطن الى الداخل الاسرائيلي، لكن رغم الانسحاب الاسرائيلي أبقى الجيش الاسرائيلي على سيطرته على المعابر في قطاع غزة، وتفاقمت معاناة الفلسطينيين، وقد زاد من ذلك الدمار الذي لحق في قطاع غزة بفعل استمرار العدوان حتى كتابة هذه السطور، وقد برز الفلتان الأمني خلال العام المنصرم على أنه سيد الموقف في القطاع وكادت الاوضاع تعصف بالقطاع الى هاوية حرب أهلية، لكن الآمال تجددت مع الاعلان عن الاتفاق بين الرئيس ابو مازن ورئيس الوزراء اسماعيل هنية لجهة تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وعلى الرغم من التأخر الكبير في الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، إلا أنه يعتبر بحد ذاته انجازاً وطنياً لمواجهة التحديات التي يمر بها الشعب الفلسطيني. وعلى الرغم من الانسحاب الاسرائيلي من القطاع قبل عام إلا أن عمليات الاستيطان تسارعت في الضفة الفلسطينية والقدس، وتمت عملية مصادرة لآلاف الدونمات من أراضي المدن والقرى الفلسطينية التي تقع في مسار الجدار العازل الذي يعتبر بدوره من أهم التحديات التي ستواجه حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية.

وفي الجانب الاقتصادي وبفعل تراجع حجم المساعدات الدولية للسلطة الفلسطينية، تراجع أداء الاقتصاد الفلسطيني من جهة وعجزت السلطة على دفع رواتب نحو 160 الف موظف فلسطيني لستة أشهر متتالية، مما ادى الى تفاقم الأزمة ورفع وتيرة معاناة آلاف الاسر الفلسطينية. لقد حمل الاتفاق حول تشكيل حكومة فلسطينية رسائل عديدة ومتشعبة للعالم وخاصة للقوى والدول التي كانت تعمل على تعميق الهوة في المواقف الفلسطينية خاصة بين حركتي فتح وحماس لجهة التأسيس لاقتتال فلسطيني ـ فلسطيني، لكن الرسالة الاهم قد تكون في وضع الادارة الامريكية واسرائيل في مأزق، ذلك أن الحكومة الجديدة لن تمانع في غالب الظن من الاعتراف بالشروط الموضوعة للانطلاق في مفاوضات السلام، وهي امكانية الاعتراف بإسرائيل، والقبول بالتفاوض معها، وبالالتزامات التي قطعتها السلطة الوطنية الفلسطينية على نفسها في اتفاقيات اوسلو وغيرها، وهذا يعني بشكل مباشر إسقاط الذريعة التي يستند عليها الإسرائيليون في رفضهم لتحريك عملية السلام، وفي عدوانهم المتواصل على الأراضي المحتلة.

قد تكون في زيارة العديد من وزراء خارجية دول فاعلة في إطار العلاقات الدولية الى الضفة الفلسطينية والاجتماع بالرئيس الفلسطيني ابومازن مؤخراً مؤشرات ودلالات عن تغير في المواقف لجهة فك الحصار عن الشعب الفلسطيني، وما يعزز هذا الاتجاه موقف الرئيس الفرنسي الذي بارك الاتفاق الفلسطيني لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وكذلك موقف رئيس الوزراء البريطاني أثناء زيارته لرام الله ولقائه الرئيس الفسطيني في يوم 11-9-2006. وستبرز مواقف دولية في الأيام القليلة القادمة مشجعة لحكومة الائتلاف الفلسطيني، وسيعزز ذلك امكانية تحقيق مزيد في الانفراج وفك الحصار الذي عانى منه الفلسطينيون طيلة الاشهر الماضية، وستكون الخطوة الاصعب هي انطلاقة مفاوضات حقيقية مع الطرف الإسرائيلي الذي رأى بحذر وجود ايجابية في تشكيل حكومة وحدة وطنية تفضي الى إطلاق الاسير الإسرائيلي جلعاد شالوم، وعلى الرغم من التصريحات الاسرائيلية حول لقاء مرتقب بين الرئيس الفلسطيني ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت، فإن اللقاء لو حصل لم تكن له نتائج هامة على الطرفين، خاصة وأن اسرائيل منهمكة في سجالات داخلية حزبية ومجتمعية حول نتائج حرب لبنان غير المرضية لاطراف وقوى اسرائيلية عديدة، وقد يكون الاهتمام الاسرائيلي منصباً خلال الفترة القليلة القادمة على تعزيز الجبهة الداخلية الاسرائيلية وكذلك على امكانية استمرار اولمرت في قيادة رأس الهرم السياسي في اسرائيل.

حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية ستكون في مواجهة تحديات اقتصادية وسياسية، ويمكن ان نشهد انفراجاً اقتصادياً بطيئاً بفعل مواقف الدول الأوروبية والعربية من الحكومة على حد سواء، حيث سيكون هناك امكانية لوصول مزيد من المساعدات المالية للسلطة الوطنية الفلسطينية وبالتالي القدرة على دفع رواتب الموظفين في مؤسسات السلطة وتنشيط الاداء الاقتصادي، وهذا بحد عينه من اهم التحديات التي تواجه الحكومة، لكننا لن نشهد في المقابل انفراجا حقيقيا ونوعيا في العملية السياسية، ونقصد هنا اننا لن نشهد مفاوضات تفضي الى نتائج على الارض بين السلطة الوطنية واسرائيل لأن الوضع الداخلي الاسرائيلي يشير الى حدة السجالات البعيدة عن الاهتمام بمفاوضات مع الطرف الفلسطيني.

* كاتب فلسطيني