مع من نتحاور؟!

TT

يتمتع بابا الفاتيكان بتأثير كبير على شريحة واسعة من سكان هذا العالم، الأمر الذي يكسب تصريحاته المسيئة للإسلام قدرا كبيرا من الخطورة في عالم يتردى أو يوشك أن يتردى في صراع حضارات خطير حذر منه الرئيس الفرنسي جاك شيراك أخيرا، وهو ينبه إلى خطورة «الطلاق» الحاصل بين الغرب والإسلام، داعيا إلى حوار المجتمعات والثقافات لتغليب التفاهم بين الحضارات والأديان لتحاشي ـ كما وصفه ـ صراع الجهل.

ويبدو أن كل مناخات الواقع تنذر بصراع مرير بين الحضارات، فأميركا كما يصفها الكاتب روبرت ميري ـ في كتابه «رمال الامبراطورية» ـ قد جعلها بوش دولة صليبية، وهو الذي يرى أن الولايات المتحدة تمر بصحوة دينية ثالثة تترافق مع الصراع الدولي ضد الإرهاب.. وتتمثل الخطورة في أن هذه الصحوة الدينية الحالية تتزامن مع تنصيب أميركا نفسها اليوم على زعامة العالم، وهذه الزعامة تحمل في طياتها ثقافة الغالب والمهيمن بكل ما يحمله «بعض» المنتمين لهذه الصحوة من مواقف معادية للإسلام، وما يصدر عنهم من انتقادات حادة للدين والحضارة الإسلاميين.

فلقد تجاوز بعض الخطاب الأميركي والغربي نطاق التلميحات إلى التصريحات المضادة للإسلام، وتنسب هذه التصريحات لأسماء غربية مهمة أمثال هنري كيسنجر وصاموئيل هنتنغتون وسيلفيو برلسكوني وغيرهم، لكن تصريحات بابا الفاتيكان الأخيرة رفعت هذه الحملة إلى ذروتها. والغريب ان الذين ينعتون الإسلام بالعنف في الغرب لا يميزون بين الإسلام وبين ما يقوم به تيار متشدد متطرف لا يمكن بحال من الأحوال أن يمثل الإسلام، وعلى هؤلاء أن يتذكروا أن المسيحية عبر تاريخها لم تسلم من سوء فهم بعض أتباعها الذين مارسوا مثل دورة العنف هذه إبان الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش.. كما أن الثقافة الغربية لا تخلو في الوقت الحاضر من متطرفين كجماعة «الجهاد الأبيض» الذين يهددون عبر «الإنترنت» بحرق المسلمين أحياء وقطع رؤوسهم إن لم يعودوا إلى بلدانهم.

وإذا كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك قد أطلق أخيرا ثلاثة أفكار لتحاشي صراع الثقافات هي: برنامج جامعي متوسطي طموح لتبادل الطلاب الجامعيين، وإقامة تعاون في ميدان إصلاح القوانين، والتوصل إلى ميثاق لحوار الحضارات يحدد أسس التعايش معا. ففي تقديري أن الثالثة تمثل الفكرة الأكثر أهمية باشتراط أن يكون للحوار التزاماته وآليات تنفيذ توصياته، لكيلا يكون هذا الحوار عابرا كغيره من الحوارات.. لكن إذا كانت هذه أفكار بابا الفاتيكان المسبقة عن الإسلام فمع من سنتحاور؟!

[email protected]