المسؤولية الفلسطينية في تطوير عملية التفاوض

TT

هل استطاع انجاز «حزب الله» في مواجهة العدوان الاسرائيلي على لبنان، ان يحرك كل ما هو ساكن في جهود تسوية الصراع العربي ـ الاسرائيلي؟ الجواب هو نعم من حيث الشكل. أما من حيث المضمون فإن الأمر تحيط به علامات استفهام كبيرة.

من حيث الشكل، شهدت المنطقة العربية وتشهد حاليا، نشاطا كثيفا يصب في هذا الاتجاه، ويكاد هذا النشاط أن يوحي بأن معجزة سياسية ما قادمة على الطريق.

العرب... ومن خلال الجامعة العربية، أعدوا مبادرة لعرضها على مجلس الأمن، تبلغه فشل كل الجهود التي بذلت على مدى عشرين عاما لتطبيق قراراته المتعلقة بالصراع العربي ـ الاسرائيلي والهدف أن تضع المبادرة العربية مجلس الأمن أمام مسؤولياته، في محاولة لدفعه نحو التحرك من جديد، وبزخم جديد.

تلت ذلك اتصالات مكثفة سعودية ـ مصرية ـ أردنية، ثلاثية أحيانا، وثنائية أحيانا أخرى، تؤكد وتصر على ضرورة تحريك التفاوض الفلسطيني ـ الاسرائيلي، بعد استنكاف اسرائيلي طويل عن هذا التوجه، بدأ مع شارون واستمر مع أولمرت. وبرز في هذا السياق بيان القصر الملكي السعودي «2006/7/25»، والذي صدر في خضم حرب لبنان، وقال بلهجة حادة غير مألوفة: إما أن تتواصل عملية السلام وتنجح، والا فإن الحرب ستكون هي البديل، وتلى ذلك حديث ملك الأردن الى مجلة تايم الاميركية والذي حمل رسالة مفادها ان خطر العنف والتطرف سوف يتزايد وبشكل غير قابل للمواجهة، في حال لم يتم التوصل الى حل عادل للمعاناة الفلسطينية، قبل نهاية العام المقبل.

وبرزت في هذا النشاط زيارة توني بلير رئيس وزراء بريطانيا إلى كل من اسرائيل والسلطة الفلسطينية، حيث أطلق إشارة هامة تشير إلى أن بلاده مستعدة لرفع الحصار الاقتصادي المفروض على الشعب الفلسطيني من خلال الاستعداد للتعامل مع حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وتسارعت على اثر ذلك المداولات الفلسطينية الداخلية، لنجد أنفسنا فجأة أمام استعداد الأطراف لتشكيل هذه الحكومة، بحيث يكون نصفها من حماس وفتح، ونصفها الآخر من التكنوقراط، مع توافق على أن التفاوض مع اسرائيل تتولاه مؤسسة الرئاسة مع منظمة التحرير الفلسطينية. وقد انتقل الرئيس محمود عباس فوراً الى عمان، بعد هذا الاتفاق الفلسطيني الداخلي ليتداول مع الملك عبد الله في عمان حول كل هذه التطورات، ولفت النظر بعد هذه المداولات، قول الملك عبد الله «إن الأشهر المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة للقضية الفلسطينية».

هناك إذاً شيء ما يتحرك في الاطار العربي وفي الإطار الأوروبي، ولكن الحلقة لا تكتمل إلا اذا كان هناك تجاوب اسرائيلي ـ أميركي، فهل هذا التجاوب موجود؟

لقد أطلقت الولايات المتحدة الأميركية قبل أيام، أول إشارة سلبية حين قالت: «ان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية الفلسطينية لا يعني رفع الحصار الاقتصادي». بينما اطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي أولمرت، اشارات عامة، تبدو ايجابية مع الحرص الشديد على الاحتفاظ بغموض المضمون. فهو أعلن رفع خطته للحل المنفرد المفروض من دون تفاوض، من التداول، وأعلن بالمقابل تمسكه بخطة خريطة الطريق، كما أعلن أيضا بحضور بلير أنه مستعد للالتقاء مع الرئيس محمود عباس من دون شروط. وهذه الايجابية الاسرائيلية المغلفة كما قلنا بغموض المضمون، تستدعي الملاحظات التالية:

أولاً: إن التراجع عن خطة الحل المنفرد يتم باتجاه معاكس للاعتدال، إذ يأتي ارضاء لحملة اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي يرفض حتى التنازل عن المستوطنات العشوائية. فهذا التراجع إذاً ليس خطوة نحو الامام، بل خطوة نحو الخلف.

ثانيا: إن اولمرت حين يعلن عودته للعمل حسب خريطة الطريق، يضع عينيه على مسألتين: الاولى هي فكرة الدولة الفلسطينية ذات الحدود المؤقتة، وهي فكرة تترجم واقعيا على الارض فكرة الحل المنفرد المسماة اسرائيليا «خطة الانطواء» ، وهي فكرة تقوم على أساس انشاء دولة فلسطينية في حدود %42 من أرض الضفة الغربية «مناطق أ+ب» ، والثانية أن اولمرت جاهز دائما لتفجير المفاوضات بالاستناد الى بند في خطة الطريق يدعو أولاً إلى تصفية «المنظمات الارهابية»، رافضاً منطق التهدئة الامنية الذي يعمل على أساسه الرئيس محمود عباس، تجنباً لحرب أهلية فلسطينية.

ثالثاً: لقد قدم اولمرت وعداً إلى بلير، بأنه مستعد للقاء مع الرئيس الفلسطيني من دون شروط، ولكن لم يوضح إذا كان هذا اللقاء للتداول أم لبدء التفاوض. وبهذا المعنى فإن اللقاء قد يتم، ثم يفشل، ثم لا تبدأ بعده أية مفاوضات.

وهذا كله يعني ان الأمور تتحرك، ولكنها لم تصل بعد الى نقطة الحسم.

إن مسؤولية الجانب الفلسطيني هنا، ان يدفع الأمور باتجاه نقطة الحسم. وهو يستطيع ان يفعل ذلك من خلال موقف سياسي معلن يضع اسسا واضحة للتفاوض، تزيد ما علق بهذا التفاوض من لبس وتهاون في مراحل التفاوض السابقة. ان الكل يعلم ان الرئيس محمود عباس يستعد لاعلان مبادرة فلسطينية حين يذهب الى الامم المتحدة لالقاء كلمة فلسطين، وهو يعمل لكي تكون المبادرة الفلسطينية دعما للمبادرة العربية في مجلس الامن وهنا تقع على عاتقه مسؤولية سياسية كبيرة، يمكن ان نشير الى بعض ما هو اساسي فيها:

اولا: تحديد الهدف النهائي للمفاوضات. وهذا امر معروف دوليا. ومسلم به في عالم التفاوض. وقد رفضت اسرائيل الاقرار به في كل مراحل تفاوضها مع الفلسطينيين، ودعمت ذلك الولايات المتحدة الاميركية، واصر الطرفان الاسرائيلي والاميركي على ان يكون التفاوض على قاعدة ما يتفق عليها الطرفان «اي الغاء مرجعية التفاوض والغاء وضوح الهدف من التفاوض» ، ولذلك تحول التفاوض الفلسطيني ـ الاسرائيلي الى المساومة وتركزت المساومة على ارض الضفة الغربية، وكم هي النسبة التي ستستولي عليها اسرائيل وكم هي النسبة التي ستبقى للفلسطينيين. وادت نظرية المساومة هذه الى فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000.

وهنا من المفيد ان نتوقف عند الموقف المصري الذي اعلنه احمد ابو الغيط وزير الخاريجة 11/9/2006 وقال فيه إن عملية السلام بالمنطقة تعاني من فقدان الهدف النهائي منها، وإن الهدف يجب أن يكون في كيفية تصور نهاية الطريق المتمثل في اقامة الدولة الفلسطينية وحدودها، وهذا ما تفتقده خريطة الطريق!.

ثانياً: يتمسك الفلسطينيون بمبادرة الملك عبد الله للتسوية التي أقرتها القمة العربية عام 2002 في بيروت. وهي مبادرة تدعو إلى انسحاب اسرائيل من كل الأراضي التي احتلتها عام 1967م ولا بد لهذا التمسك الفلسطيني بالمبادرة العربية من أن يتجسد ثانية بالمبادرة الفلسطينية المنتظرة، فيتم الاعلان الفلسطيني بأن الهدف النهائي للمفاوضات، والذي يجب التسليم به قبل بدء المفاوضات، هو إنشاء دولة فلسطينية على كل الأراضي التي احتلت عام 1967.

ثالثاً: لا بد من أن يتضح من خلال هذا الموقف، الرفض الفلسطيني لبقاء المستوطنات والمستوطنين «إلا كمقيمين» داخل الدولة الفلسطينية. كذلك لا بد ان يتضح من خلال هذا المبدأ رفض الفلسطينيين لفكرة «مبادلة الأراضي» التي طرحت في مفاوضات سابقة.

بالاعلان عن هذه المواقف الثلاثة، يمكن للموقف الفلسطيني أن يسهم في دعم المبادرة العربية، وفي تطوير فكرة التفاوض مع اسرائيل، وإلا فإن جولة المفاوضات الجديدة ستدخل في متاهات المفاوضات التي سبقتها، وتصل إلى حالة الفشل القديمة نفسها.