من أجل الالتفاف حول القانون الدولي الإنساني

TT

وسط الأزمة التي اندلعت مؤخراً في الشرق الأوسط، والعنف المستشري في سري لانكا، واستمرار إراقة الدماء في دارفور، برزت على الأقل بعض الأخبار الطيبة بالنسبة إلى ضحايا الحرب، مع القرار الأخير الذي اتخذته كل من جمهورية ناورو وجمهورية الجبل الأسود، بالانضمام إلى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، والذي جعل من هذه الاتفاقيات أولى المعاهدات الدولية التي تحظى، في التاريخ الحديث، بقبول عالمي. فقد أصبح الآن عدد دول العالم التي انضمت رسمياً إليها 194 دولة. وتشكل اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية لعام 1977 وعام 2005 القانون الأساسي، الذي يحمي حياة الإنسان وكرامته في أوقات النزاعات المسلحة.

إن عالمية اتفاقيات جنيف تعطي حجة قوية للرد على الذين يصرون على أن القانون الدولي الإنساني لم يعد ملائما للتعامل مع الحروب المعاصرة. فهؤلاء مخطئون بالتأكيد. لقد أصبحت كل البلدان أطرافاً في اتفاقيات جنيف وهذا يعني أن الجميع تعهد الآن باحترام هذه المعاهدات وضمان احترامها في كل الظروف. ويبقى القانون الدولي الإنساني الإطار القانوني الأكثر فعالية لتنظيم سير العمليات العدائية، لأنه تطور بالتحديد بهدف مراعاة حاجات الدول المشروعة بالنسبة إلى أمنها من جهة، وحماية حياة الإنسان وحقوق الفرد الأساسية من جهة أخرى. ومن المؤكد أنه يمكن تحقيق توازن بين هذين الهدفين، فيما لا تزال الحاجة إلى هذا التوازن أقوى من أي وقت مضى. إن بإمكانك السيطرة عسكرياً على الأراضي وتجنب ضرب السكان المدنيين، كما يمكنك احتجاز أفراد يهددون النظام العام بدون إهانتهم أو إذلالهم.

إلا أن الارتياح إزاء القبول العالمي باتفاقيات جنيف، ينبغي ألا يحجب عن أعيننا الخرق المتكرر لكافة معاهدات القانون الإنساني. وتظهر، بصورة خاصة، المعاناة المستمرة للمدنيين، أننا لا نزال بعيدين عن الامتثال العالمي لقوانين الحرب. فالالتزام بنص القانون ليس إلا خطوة أولى. ولا شك في أن إحدى نقاط الضعف الرئيسية لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني بمجمله، هي غياب آليات للتنفيذ قابلة للتطبيق.

احترام الاتفاقيات هو في المقام الأول مسؤولية الدول التي قبلت بها. إلا أن ما يحدث في أغلب الأحيان هو افتقار الدول إلى الإرادة السياسية لإقرار الخطوات العملية لصالح ضحايا الحرب واتخاذ التدابير اللازمة لمنع انتهاكات القانون، كما التحقيق بشأنها ومعاقبتها. إذن ما الذي يمكن عمله للتأكد من أن القانون الدولي الإنساني يحث على حماية ومساعدة الذين يعانون من الحروب؟ على الدول أن تسعى، كخطوة أولى، إلى تأمين توعية الذين هم بحاجة إلى التعرف إلى القانون الدولي الإنساني، لا سيما أفراد القوات المسلحة وقوات الأمن، وتدريبهم على تطبيقه فعلاً في الميدان أثناء النزاعات المسلحة. ويجب في الوقت نفسه أن تحدد الحكومات الإطار القانوني والإجراءات اللازمة للامتثال للعدد الكبير من قواعد القانون الإنساني. فقد أثار إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الأخير، الأمل في أن تتولى الدول نفسها مقاضاة المسؤولين عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني، معززة بذلك الكفاح العالمي ضد الإفلات من العقاب. وفيما تبقى الدول وحدها قادرة على اتخاذ التدابير القانونية والإدارية والعملية اللازمة ضمن أنظمتها القانونية الوطنية، من المهم الإشارة إلى أن القانون الدولي الإنساني ملزم أيضاً للجماعات المسلحة من غير الدول التي تشارك في النزاع المسلح.

أخيرا، فالأخبار الطيبة التي برزت في الأسبوع الماضي تشجع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على المثابرة في جهودها لتحسين المعرفة بالقانون الدولي الإنساني واحترامه في مختلف أنحاء العالم. أما بالنسبة إلى المجتمع الدولي فيجب أن يشكل القبول العالمي باتفاقيات جنيف تذكيراً يأتي في الوقت المناسب، ليبرز الجهود الكبيرة التي لا نزال بحاجة إلى بذلها لتحقيق الامتثال العالمي لهذه الاتفاقيات.

* رئيس قسم الشؤون القانونية

في اللجنة الدولية للصليب الأحمر