بلاغات المطاعم الصينية

TT

دخلت قبل بضع سنوات مطعما صينيا ورحت أنظر في قائمة الطعام فاذا بها غاصة بشتى العبارات الشعرية.

نحن نتهم أنفسنا بعبوديتنا للشعر، ولكن ادخلوا مطعما صينيا وتلمسوا الروح الشاعرية للطباخين الصينيين. نظرت في القائمة فوجدت بندا يقول: «شوربة السعادات السبع»! أثار ذلك في نفسي شتى الخواطر فناديت على النادل وقلت له: «يا سيدي، هل انت واثق من ان هذه الشوربة تحتوي على سبع سعادات؟ لقد قضيت كل حياتي احاول الحصول على سعادة واحدة فلم اوفق اليها. هل هناك حقا سبع سعادات في هذا الطبق؟».

نظر الخادم الي نظرة صينية مبهمة. لم يفهم من سؤالي شيئا، لا هزله ولا جده. بالطبع كانت هناك على القائمة الترجمة الصينية لذلك البند. وقد اكتشفت أخيرا ان اصحاب المطاعم والدكاكين الصينية لا يراعون في ترجمتهم نفس الدقة التي اشتهرت بها المطابع العربية. الحروف الصينية ليست حروفا أبجدية صوتية، وانما هي سلسلة من الرموز والصور. وفي اوروبا او أميركا، اعتاد اصحاب الدكاكين والمطاعم ان يأتوا بخطاط محلي لا يعرف اللغة الصينية مطلقا ليطلبوا منه ان ينقش شيئا يبدو صينيا مقابل النص الانجليزي او الفرنسي... الخ. يأتي هذا الخطاط الخواجة فينقش شيئا على هواه، فيوهمنا بأن ما نراه امامنا هو فعلا اسم الأكلة باللغة الصينية.

هذا شيء يطابق في الواقع ما فعله الحرفيون الاسبان في نقش اعمالهم النحاسية او العاجية او الخشبية بنقوش عربية تتضمن بالطبع بعض الحروف والعبارات العربية. يقومون بنقشها دون أي اعتبار لما قد تحمله من معنى. لدي في البيت طبق خزفي من هذا النوع اشتريته من اسبانيا. ما ان اخذته ونظرت فيه حتى صعقت. فقد كان منقوشا بكلمة من أفحش ما يمكن ان يقرأه الانسان، حتى ولو من كاتب مثلي. والآن لا تدخل امرأة عربية بيتنا إلا وأبادر قبل وصولها الى اخفاء هذا الطبق الخزفي خوفا من ان تتصور انه من اعمالي. الأمر كذلك مع المطاعم والمخازن الصينية. ترجم بعض العارفين نماذج من هذه العبارات الصينية المكتوبة على قوائم الطعام وفترينات الدكاكين. كان منها بند يقول في اللغة الانجليزية ما يعني رز باللحم واللوز والسفرجل. على الجانب المقابل نقشت عبارة بالحروف الصينية تعني عند ترجمتها بدقة وامانة: «لباس زوجتي كبير مطبوخ باللوز والبصل». وفي مكان آخر في قسم المقبلات ورد بند يقول «شوربة عدس بالفلفل» وامام النقشة باللغة الصينية ما يقول: «شوربة التلفزيون الخربان». ولا يقاس هذا بشيء بالنسبة للترجمة البليغة ودقة الأداء في ذكر بند «لحم بقر مسلوق بالمعكرونة والكرفس والبازلاء». وامامه نقش الخطاط الصيني ما يفيد «لحم صبي صغير مسلوق ومطيب ببيان الحزب الشيوعي». أسوق كل ذلك لأهون على القراء الكرام مما اخذوا يعانونه من صدمات في قراءة الترجمات التي اخذت تنشرها دور الكتب العربية للاعمال الأدبية العالمية أو الدواوين الشعرية للحداثيين والحداثيات، ولهن الغلبة كما يبدو لي.