وديعة رابين العدوانية

TT

تدعي اسرائيل بأن رئيس الوزراء اسحاق رابين كان رجل سلام، لتثبت للعالم ان في اسرائيل رجالا يسعون إلى السلام ليضللوا الرأي العام العالمي عن رغبة اسرائيل في التوسع بالاستعمار الاستيطاني فوق الاراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1967م بعد ان اطلق عليها اسحاق رابين لأول مرة ارض الميعاد المحررة.

ازدواجية المسلك السياسي الذي يجمع بين العنف والليونة، وكان اسحاق رابين متقناً للدورين في وقت واحد، يصل بالعنف إلى اقصى مداه حتى يظن بأنه من الصقور، ويصل بالليونة إلى اعلى درجاتها حتى يظن بأنه من الحمائم، ووصفه وزير خارجيته شيمون بيريز بأعظم ممثل لم يصعد على خشبة المسرح، غير ان مسرحية «الشيزوفرينية السياسية» التي كان يقوم ببطولتها اسحاق رابين لم ترق للمتطرفين اليمينيين «حزب تجمع الليكود» والمتعصبين الدينيين «مجلس الحاخامات الاسرائيلي الاعلى». واتفق الاثنان على ضرورة التخلص من اسحاق رابين حتى يذهب دمه هدراً بينهما، فاختار اليمين المتطرف احد رجاله ايجال عامير ليقوم بهذه المهمة، وتولى المتعصبون الدينيون اقناعه برضا الرب عن اغتيال اسحاق رابين، وجعلوا من السبت المقدس في العقيدة اليهودية موعداً للاغتيال حتى يتضاعف الثواب لإيجال عامير الذي قام بعملية الاغتيال في وضح النهار من يوم السبت 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1995.

يدفعني إلى هذا الحديث اليوم عن الماضي، ما قالته نائبة وزير الدفاع الاسرائيلي داليا اسحاق رابين لصحيفة «الصنداي تايمز» اللندنية ان انضمامها لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة اريل شارون لا يوصمها بالخيانة لمبادئها ومبادئ والدها اسحاق رابين الذي كان يمثل التيار المعتدل تحت مظلة اليسار، وأعلنت ان دخولها للسلطة نائبة لوزير الدفاع جاء مكملاً لدور والدها في قمع «الانتفاضة الارهابية» اليوم من موقعها الوظيفي تماماً كما فعل رئيس الوزراء اسحاق رابين مع «الانتفاضة الارهابية» السابقة التي قامت في سنة 1987 واستمرت إلى عام 1993 الذي قام بضرب الارهابيين على رؤوسهم بيد من حديد في تلك السنوات، ونفت بشكل قاطع عن والدها انه كان حمامة سلام، واكدت بانه كان «صقراً» كاسراً يدافع عن اسرائيل احب بقاع الارض اليه باعتبارها ارض الميعاد، تارة باستخدام قوة السلاح وتارة اخرى بالحكمة السياسية، وكان بارعاً فيهما، يحسن اختيار الوقت المناسب للغة الحوار، وكذلك الوقت المناسب للجوء إلى السلاح!! قالت داليا رابين للصحافية الاسرائيلية تموز باخيمي مراسلة «الصنداي تايمز» من تل ابيب: لأوضح لكم موقف والدي اسحاق رابين، ارجعكم إلى «وديعة رابين» وصيته التي تدعو إلى الاخذ بالحكمة السياسية التي تتطلب الاسراع إلى المصالحة مع سوريا، ولكنها في نفس الوقت تدعو إلى اللجوء للسلاح عند التعامل مع الفلسطينيين لان وجودهم على الارض ومطالبهم في الحصول على الاستقلال يتناقض مع طموحات اسرائيل العظيمة التي تتطلع إلى اقامة الوطن القومي اليهودي فوق كل ارض الميعاد، وهي بهذا القول تكشف لأول مرة عن الجوانب العدائية ضد الفلسطينيين في وديعة رابين التي تنصح القيادات الاسرائيلية في السلطة بتقديم الصلح مع سوريا حتى تنفرد بالفلسطينيين.

اكدت داليا رابين ان عدم التزام القادة السياسيين الاسرائيليين بوديعة رابين في ما يتعلق بسوريا بسبب العوائق التي وضعتها دمشق في طريق الصلح معهم لا يلغي الجانب الآخر منها الذي يطالب بضرورة التخلص من الفلسطينيين الذين يريدون سلاماً لا تقدر على تحقيقه لهم اسرائيل التي تريد اعطاءهم فقط حكماً ذاتياً في بعض المناطق بالضفة الغربية وفقاً لمقاييس لا تخل بقيام اسرائيل الكبرى، ولم يستطع الفلسطينيون فهم الجوانب الروحية عند الاسرائيليين والتعامل معها بحكمة الحوار. سارعوا إلى العنف الذي فرض على اسرائيل الدفاع عن النفس لأن الارض المتنازع عليها هي «ارض يهودية بحكم التاريخ الذي يستوجب اعادة صياغة احكام القانون الدولي العام لتعبر عن الحق التاريخي لليهود في ارض الميعاد التي خصصها اللّه لشعبه المختار، وهذا يجعل من حق اسرائيل اللجوء إلى قمع «الارهاب الفلسطيني» بقوة السلاح لتنعم بحقها التاريخي في الارض.

نقلت صحيفة «الصنداي تايمز» عن لسان داليا رابين بانها مع استخدام القوة ضد «الانتفاضة الارهابية» التي يقوم بها الشعب الفلسطيني بتحريض من السلطة الوطنية الفلسطينية، وان والدها اسحاق رابين كان على علم بكل هذه الحقائق ولم يكن مخدوعاً في ياسر عرفات بل كان يعرفه على حقيقته منذ ان التقى به لأول مرة في واشنطون، وهذه المعرفة هي التي جعلته يتردد في مصافحته امام العالم.

قالت داليا رابين لصحيفة «الصنداي تايمز» ان الفهم العميق لوجهة نظر والدها جعلها لا تعارض اليوم سياسة الاغتيالات الاسرائيلية ضد رموز العنف الفلسطيني الذين استطاعوا توظيف الشعب الفلسطيني في ممارسة هذا العنف في الشارع الاسرائيلي ليضغط على المفاوضات السلمية، وايمانها بضرورة قمع العنف الفلسطيني لإبطال تأثيره على المفاوضات السلمية، ادى إلى قناعتها بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية لتساهم في بناء الوطن اليهودي الكبير الذي كان يدعو اليه ابوها اسحاق رابين وفي نفس الوقت ليؤدي وجودها في الحكومة الاسرائيلية إلى تحقيق التوازن الداخلي في اسرائيل من خلال التعاون بين اليمين واليسار في الحكم حتى تستطيع الوقوف بقوة في وجه التيارات العسكرية الاقليمية المعادية لاسرائيل، وكشفت ان اسرائيل تتبنى حملة دولية لايقاف التسلح النووي في ايران لأن ذلك يشكل خطراً فادحاً على الأمن الوطني الاسرائيلي، ناسية أو متناسية بان السلاح النووي الاسرائيلي يدفع دول الاقليم إلى التسلح النووي، وان الحلف العسكري الذي يربط اسرائيل بتركيا يدفع دول الاقليم إلى التكتل لمواجهة خطر هذا الحلف العسكري عليها.

لا شك ان حديث داليا رابين نائبة وزير الدفاع الاسرائيلي لصحيفة «الصنداي تايمز» يقدم لنا التفسير لما تقوم به حكومة الوحدة الوطنية الاسرائيلية برئاسة اريل شارون الذي اخذ يقوم بدور السفاح في داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة بالقتل الجماعي للإنسان دون تفرقة بين رجل وامرأة وطفل ورضيع وجنين وبتدمير المدن والقرى الفلسطينية التي كان ابرزها القصف المكثف طوال ليلة الاثنين الماضي على قطاع غزة، صحيح ان اريل شارون مجرم بطبعه وتكوينه النفسي، ولكن من الصحيح ايضاً انه ينفذ بدقة «وديعة رابين» في ما يخص الفلسطينيين لانها تطالب بالخلاص التام منهم من فوق ارض الميعاد، ارض اليهود التاريخية، وهو ما فضحته ابنته داليا رابين في حديثها الأخير إلى صحيفة «الصنداي تايمز».

ان ما جاء في حديث نائبة وزير الدفاع داليا رابين عن «وديعة رابين» يثبت بان الارهاب الاسرائيلي قام بتخطيط وضعه اسحاق رابين الذي يتغنى العالم بحكمته السياسية الرامية إلى السلام في الوقت الذي يدعو فيه إلى ابادة الشعب الفلسطيني بالقتل أو التهجير إلى خارج ارض الميعاد، وان اريل شارون رئيس الوزراء الحالي يقوم بدور الجلاد ضد الشعب الفلسطيني تنفيذاً لخطة اسحاق رابين التي قدمها في شكل وصية تعرف باسم «وديعة رابين» ولن يتوقف اريل شارون عن عدوانه ضد الانسان الفلسطيني الا اذا حقق النتيجة التي توصلت اليها الخطة العدوانية الموضوعة في وديعة رابين التي تمثل ابشع صور الارهاب في التاريخ الانساني.

تصر اميركا إلى الآن بانها تعمل على حماية اسرائيل من الارهاب الفلسطيني، متجاهلة الارهاب الحقيقي الذي تمارسه اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني حتى بعد ان فضحته داليا رابين بقولها الصريح عن «وديعة رابين» التي خططت للارهاب، وبعد ان اعترفت بانها ليست ضد سياسة اسرائيل في الاغتيالات وبعد ان ثبت قيام اريل شارون بالارهاب الذي تنظمه الدولة ضد شعب اعزل تستهدف به قتل الانسان ومصادرة ارضه للأبد.