القضية الجديدة للمستهلك الغربي

TT

في الاسبوع الماضي كان المستهلك الاوروبي والاميركي مشغولين في تقرير نشر في مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية يقول ان ثمة علاقة بين السفر مسافات طويلة في الطائرات والاصابة بالجلطات الدموية.

لقد دعيت هذه الظاهرة بـ«ظاهرة الدرجة الاقتصادية» عندما يجلس الركاب مزدحمين في مقاعد ضيقة ساعات كثيرة من دون حراك، رغم ان مثل هذه الظاهرة تصيب الاشخاص كلهم في الطائرات، سواء كانوا جالسين في الدرجة الاولى، او الدرجة السياحية، لا بل انها تصيب كذلك حتى المسافرين في القطارات والحافلات اذا ما جلسوا ساكنين ساعات طوالاً، على حد قول الجراح جون سكور من مستشفى ميديلسكس في بريطانيا.

المهم ان المواطن الاوروبي، ومثله الاميركي بالدرجة الاولى، تهمه مثل هذه القضايا اكثر بكثير من انتفاضة الشعب الفلسطيني، واخبار صدام حسين، ومشروع المظلة الصاروخية الاميركية.

والمعلوم ايضا ان قضايا المستهلكين والدعاوى التي تقام بملايين الدولارات في الغرب، لان فنجان قهوة ساخناً انسكب على يد سيدة جميلة مثلا، هي امور تستهوي الغرب جدا. حتى ان هناك محامين تخصصوا في مثل هذه القضايا حصدوا الملايين من وراء هذه اللعبة.

ولعل ابرز مثال على ذلك رالف نادر احد المرشحين الثلاثة في انتخابات الرئاسة الاميركية الاخيرة الذي نال شهرة واسعة في الدفاع عن قضايا المستهلكين.

صحيح ان بعض المسافرين يصابون بجلطات دموية، ربما قاتلة، من جراء الرحلات الطويلة، لكن نسبة هؤلاء، كما يقول الاطباء، قليلة جدا لا تتعدى الـ 5 في المائة اصيبوا بجلطات خفيفة جدا كان يمكن تداركها سلفا عن طريق اتباع بعض الاجراءات الوقائية، مثل تناول كميات من مياه الشرب، والامتناع عن المشروبات الكحولية، ومحاولة المشي والحركة كل ساعة او ساعتين، او تناول حبة اسبرين لتسييل الدم قبل ركوب الطائرة. غير ان الاجراء المهم هو الاتجاه الى توزيع نوع خاص من الجوارب على الركاب المستخدمة عادة بعد العمليات الجراحية للحد من الجلطات.

ومع ذلك تشير الاحصاءات الى ان عشرة اشخاص يموتون سنويا من جراء الاصابة بجلطة دموية في الرئتين. فقد حدثت 30 حالة وفاة في السنوات الثلاث الاخيرة. وفي اكتوبر (تشرين الاول) الماضي بالذات توفيت شابة عندما انهارت في مطار هيثرو اللندني بعد رحلة طويلة من استراليا. وقد ادى ذلك الى رفع العديد من الدعاوى القضائية على شركات الطيران.

في اي حال يعتقد العلماء ان الامر بحاجة الى دراسات مفصلة قبل وضع الاستنتاجات النهائية.

المهم في الامر ان مخاطر السفر ومشاقه امر معروف منذ القدم. وكان نصف الناس تماما الذين يسافرون في الماضي مسافات بعيدة ويقطعون السهول والوهاد على ظهور الدواب والجمال لا يصلون الى وجهتهم النهائية. اذ كانوا يقضون نحبهم في الطريق بسبب المرض، او غيره. كذلك السفر في البحار وعواصفها وانوائها التي كانت تأخذ حصتها الكبيرة باستمرار من المسافرين. من هنا فان وفاة بضعة اشخاص مقابل مئات الملايين من المسافرين سنويا ليس بالامر الكبير على سبيل المقارنة. ثم ان الراكب لو احتاط للأمر لوفر لنفسه الوقاية الكاملة. اذ ان الكثير من مسافري اليوم يستسلمون للنوم في الرحلات الطويلة، بعد ان يملأوا بطونهم بالطعام والشراب، وهذا خطأ كبير.

في اي حال يحدث كل ذلك وشركة بوينغ تستعد لانزال جيلها الجديد من طائرات 777 التي تستطيع قطع مسافة 20 الف كيلومتر دفعة واحدة، اي الدوران تقريبا حول الارض من دون توقف. من هنا فان مزايا ذلك وايجايباته واضحة، ومساوئ ذلك وسلبياته واضحة هي الاخرى.