شهادات للبيع!

TT

قبل أكثر من ربع قرن تقدم أحد الوافدين بطلب يرغب فيه العمل كصحافي في الصحيفة التي كنت أعمل محررا بها، ولعل المسؤول في الصحيفة أراد صرفه فتذرع بأن شهادته من كلية التجارة وأن العمل في الصحيفة يتطلب بكالوريوس في الإعلام، في الوقت الذي لم يكن فينا أحد ـ نحن المحررين ـ في ذلك الوقت يحمل أي مؤهل إعلامي، فخرج الرجل ليعود بعد أسبوع ومعه شهادة جامعية في الإعلام صادرة من بلده وعليها الكثير من الأختام والتوثيقات والتوقيعات، وكانت النكتة التي ظللنا نتداولها طويلا، وظلت تثير الريبة في داخلي نحو الكثير من الشهادات الصادرة عن ذلك البلد.

ولنفس الصحيفة وصل ذات يوم خطاب من إحدى الجامعات الأمريكية التي أدركت عقدة مجتمعنا مع الشهادات، فاحتوى خطابها أسعارا محددة للشهادات الفورية من البكالوريوس إلى الدكتوراه، ويبدو أنها كانت في موسم التخفيضات، حتى أن سعر شهادة الدكتوراه لم يكن يكلف أكثر من 2000 دولار، فاقترح رئيس التحرير أن تقوم الصحيفة بخبطة صحافية تفضح فيه الصحيفة تلك الجامعات وخريجيها، مقترحا أن تتولى الصحيفة تكاليف شهادة دكتوراه لعاملها الأمي الذي يصنع الشاي والقهوة، لكن ذلك العامل البسيط رفض بإصرار أن «يتدكتر» مؤكدا أن البلد ليست ناقصة دكاترة، وأنه يفضل أن يحصل على شهادة حقيقية عن السنة الأولى ابتدائي من مدارس محو الأمية من أن يحصل على دكتوراه «مضروبة» على حد قوله، ولست أدري كم من الناس لهم واقعية ذلك العامل البسيط.

كدت أن أنسى هاتين الحادثتين وغيرهما من الحوادث المماثلة التي أكل عليها الدهر وشرب حتى ذكرني خبر نشر قبل أيام ينسب لمحافظ المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني في السعودية بأن مؤسسته قد قامت بإغلاق 30 معهدا أهليا خلال الأشهر الستة الماضية بعد أن ثبت قيامها ببيع الشهادات، ولقد سبب لي هذا الخبر حالة مزدوجة من الشعور اختلط فيها الفرح بالحزن.. أسعدني أن تكون هناك متابعة دقيقة من قبل المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني أفضت إلى كشف هذه الممارسات الخطيرة، وأحزنني أن تضم هذه الهجمة من المستثمرين في مجالات التعليم والتدريب المهني أشخاصا يفتقرون إلى الأمانة ونقاء الضمير.

[email protected]