طه ونجيب و... أنور!

TT

بين النقاد العرب وبيني سوء فهم مزمن. فأنا لا أحب قسوتهم ولا شخصنياتهم في التعاطي مع العطاء الادبي. وهم لا يحبون أن يناقشهم أحد. وهناك نقاد كثيرون أحترمهم وأقدرهم وأحب ثقافتهم الواسعة، مثل الاستاذ جهاد فاضل، لكنني اختلفت معه خلافاً شديداً عندما حوّل صداقته مع نزار قباني الى حملة عداء لا نهاية لها. وكتبت مرة انتقد «صغار النقاد» فظنت الروائية غادة السمان انني اعني صغارهم سناً، فكتبت تعتب عليّ وتستهجن. وكنت اقصد يومها صغارهم انفساً وكنت اكنّ احتراماً شديداً للناقد محيي الدين صبحي، الذي اعتبرته من اكثر النقاد العرب منهجية وتكرساً. وبمتعة أتابع سعة الثقافة عند عبده وازن، في «الحياة». وعندما بدأت في التعرف اليه تطفلت وطلبت منه ان يكرس الجزء الاكبر من عمله للاهتمامات العربية، مهما كانت علاقته بالادب الفرنسي مبعث اعجاب.

هناك نقاد منهجيون، اي موضوعيون، كثيرون في العالم العربي. ومن طبقات كثيرة. ففي مصر تعاطى هذه الحرفة المعقدة والصعبة رجال مثل عبد الرحمن بدوي ولويس عوض وطه حسين، ثم اتقن رجاء النقاش حرفة الموالفة بين السرد والنقد، مغلباً المحبة على انتقاء المعايب. وعرفت هذه الحرفة الصعبة، واصعب ما فيها انها تتطلب الثقافة الواسعة والصدر الوسيع والعقل المتسع، موجة كبرى ممن ادعوها. جاءوا وذهبوا. كتبوا اسما او كلمة تذكر او فكرة تتذكر. شتموا ونقدوا وكرهوا وبغضوا واسقطوا واسفلوا، ومضوا. لا شيء ولا أحد. فاقد الموهبة منهم حسد صاحب الموهبة. وفاقد الثقافة بغض صاحبها. وصاحب القصبة الفارغة حسد صاحب القلم المليء. والشاعر بعقدة العبور كره ذوي الاشياء التي قد تبقى. والكاره الجمال كره محبي الجماليات. والحاقد كره اصحاب القلوب السمحة. والشاعر بالضحالة قرر ملاحقة الذين اعطوا ان يكون لهم عطاء ما.

محزن ان جميع المطبوعات التي صدرت منذ اوائل القرن الماضي حتى اوائل القرن الحالي، على قاعدة الكره، ماتت من دون اعلان. في حين بقيت في عطر الذاكرة الادبية مجلات مثل «النقاد»، التي اصدرها سعيد الجزائري في دمشق. ومن على صفحاتها لمعت اهم الاسماء الادبية في سورية واكبرها واحبها. ولولا «النقاد» الدمشقية لربما فاتنا التعرف الى ألمع وأجزل الاسماء واصحاب العطاء. كان سعيد الجزائري يحب الناس ويحب المواهب ويحب التواضع ولا يكره احداً، حتى نفسه. يجب ان نتذكر، ولو لبرهة، ان ناقداً يدعى انور الجندي كفّر طه حسين، ثم كفّر نجيب محفوظ قائلا، ان الفن القصصي استعماري مخالف للاسلام، وفي ذلك طبعا تجديف على ما ورد في القرآن. ومضت عقود. واني اذكركم باسم انور الجندي لان احداً لن يذكره. على الاقل ليس الى جانب عملاقي مصر، طه ونجيب.