إسرائيل تتصدى للانتفاضة وهي خائفة

TT

اعترض الإسرائيليون قارباً يحمل كمية من الأسلحة الخفيفة قرب الشواطئ اللبنانية الجنوبية، فقامت قيامتهم، وهددوا وتوعدوا، حتى ظن الناس أن الكيان الإسرائيلي كان سيغرق في البحر لو أن هذه الشحنة من السلاح وصلت إلى الفلسطينيين.

ومن المؤكد أن صراخ شارون ضد هذا القارب وما فيه من سلاح، هو صراخ الخائف وليس صراخ القوي القادر. وهنا تكمن المفارقة الغريبة، فالذين يعرفون إسرائيل، يعرفون انها ليست سوى ترسانة سلاح من أرقى وأجود أنواع السلاح الفتاك على سطح الأرض.

والذين يعرفون إسرائيل، يعرفون أن جيشها واحد من أقوى جيوش العالم وأكثرها جهوزية قتالية، اللهم بالسلاح فقط، لا بالشجاعة الفردية. والذين يعرفون إسرائيل، يعرفون أن مخابراتها وأجهزتها الأمنية، واتصالاتها العميقة والمعمقة بالمخابرات الدولية المتفوقة تجعل من تحصيل الحاصل أن يقف الإسرائيليون على معلومات وخبايا لا يعرفها العرب.

لكن الذين يعرفون إسرائيل جيداً، يعرفون أيضاً أن كل هذا السلاح الذي تقتنيه، وكل هذه الوسائل المتطورة في مراقبة الجو والبحر والبر لم تنفع، ولن تنفع الإسرائيليين في شيء، فمنذ ثلاثة وخمسين عاماً حتى اليوم، وحتى الغد البعيد، كان الإسرائيلي وسيبقى، يعيش يومه وعلى كتفه بندقية.

يأكل خبزه وفي ذهنه أنه قد لا يأكل خبزه غداً. يذهب إلى المصنع خائفاً، ويذهب إلى المدرسة، والبيت، والحدود.. خائفاً.

وأما خوفه فناتج عن سببين:

السبب الأول: انه مستوطن، والمستوطن هو إنسان غريب يجعل من أرض الآخرين وطنه، أو مدينته، أو قريته، أو كيبوتزه، ولأنه ليس في أرضه فهو يعيش خائفاً، ويتنفس خائفاً.

السبب الثاني: ان الإسرائيلي لا يملك إرادة القتال ولا إرادة الموت، بل يملك أدوات القتل والموت. وعندما يصبح ممكنا عزل الإنسان الإسرائيلي عن أدواته القتالية المتفوقة، ويدرك أن الطرف الآخر أصبح يملك أدوات مثله، فإن أحداً من الإسرائيليين لن يبقى في إسرائيل وبسرعة. سوف يكتشف الإسرائيلي أنه إسرائيلي إذا كان متفوقاً عسكرياً وإذا هبط مستوى تفوقه فإن أحداً لا يستطيع أن يضمن بقاءه في إسرائيل.

ولهذين السببين فقط، يشهد العالم كله على بطش إسرائيل، وإغراق الحكومات الإسرائيلية في القمع، واحتقار جميع القوانين والشرائع الدولية.

ولهذين السببين بالذات، يقف العالم مندهشاً أمام الشاب الفلسطيني، أو المرأة الفلسطينية، والعجوز الفلسطيني، الذين يتصدون للسلاح الفتاك بصدورهم، وبالحجارة.

وليس من شك في أن شارون لن يكون الأول، ولن يكون الأخير من الإسرائيليين الذين يشهدون على هذه المفارقة الغريبة، حيث يقف الفلسطيني الأعزل في مواجهة الإسرائيلي المدجج بأرقى وأفتك أنواع السلاح.

ذلك أن الفلسطيني يملك إرادة القتال، ويملك ما هو أرقى منها وأرفع وهو: إرادة الموت. في حين أن الإسرائيلي لا يملك أياً من هاتين النعمتين.

ولذلك نراه خائفاً، يضرب بمدفعه بيتاً فلسطينياً لأنه خائف ويطلق الطائرات في مواجهة الحجارة لأنه خائف.

ويصب نيران صواريخه على المخيمات المصنوعة من القماش الممزق، لأنه خائف. ويجعل من القارب الذي «ضبطه» على شواطئ بيروت، بارجة تهدد إسرائيل بالدمار. وما دام الخوف مسيطراً على شارون، وعلى الإسرائيليين، فلا شك أن النصر لن يكون حليفهم.

وقارب السلاح لم يكن الأول ولن يكون الأخير كما قال أحمد جبريل.

فالمهم: ليس السلاح ولو كان السلاح هو المهم لكانت إسرائيل اليوم دولة تعيش في سلام تحت أجنحة طائراتها.

لكن المهم هو إرادة القتال، وإرادة الموت، وإرادة التحرير. وكلما أمعن شارون في الابتعاد عن تنفيذ القرارات الدولية والاتفاقات الموقعة بين الفلسطينيين وإسرائيل، يكون قد بدأ يحفر مصير إسرائيل بيديه وأفعاله.

فالدول العظمى لا تقاس بعدد شوارعها، وكثرة بضائع مخازنها، ولا بكثرة أسلحتها وشدة فعاليتها، بل براحة شعبها وطمأنينة أبنائها على غدهم ومستقبلهم.

ومن عظائم المصادفات التاريخية، أن الإنسان الفلسطيني يجوع اليوم، ويبكي، ويسقط بالرصاص الإسرائيلي، لكن من يبقى على قيد الحياة يدرك في قرارة نفسه أنه يملك الغد.

وأما الذين يستشهدون فهم يذهبون إلى الموت طلباً للشهادة المقدسة والطمأنينة الأبدية.

وأما جحافل الجيش الإسرائيلي، فشأنها شأن كل مواطن اسرائيلي لا تستطيع أن تقفز إلى الغد إلا وعلى كتف كل واحد منهم بارودة، وفي جسد كل واحد منهم رعشة الخوف الأبدي الذي لن يزول إلا إذا استراح الفلسطيني.

سواء أراد شارون أن يصدق هذا الكلام.. أم لا.